وكثيرًا ما كانت القبائل تبيع سبيها وأسراها "أم عمرو بن العاص كانت سبية، ثم بِيعث في سوق عكاظ".
أما مصدر الرقيق الأجنبي فكان الشراء، حيث كان العرب يرتادون أسواق الروم وفارس، فيشترون الأرقاء الذين كانت كل من دولتي الروم والفرس المتعاديتين تأسرهم من الأخرى في أثناء الحروب الكثيرة التي كانت تجري بين الطرفين. كما كان العرب يعتبرون أبناء جواريهم الذين لا يعترفون ببنوتهم رقيقًا لهم.
والرقيق أصناف يختلف ثمن العبد باختلافها: فهناك الرقيق الأسود، وكان في منزلة غاية في الانحطاط بالنسبة للرقيق الأبيض؛ ذلك أن العرب كانوا يتعشقون البياض ويحتقرون السواد، حتى ليطلقون على العبيد السود اسم "الأغربة" تشبيهًا لهم بطائر الغراب البغيض المشئوم١. أما الرقيق الأبيض فهو ذو مكانة أعلى وثمن أغلى، وهو من جنسيات مختلفة: فارسية أو بيزنطية أو من بعض الشعوب الأوروبية.
وبالرغم من أن الرقيق قد اعتبر كالآلة، يؤمر فيستجيب ويعمل، غير أن أثره كان عظيما على أهل مكة من حيث كثرة أفراده، إذ ندر ما خلا دار من دور مكة من عبيد يقتنيهم رب الدار. وقد استخدمهم مالكوهم؛ لما لهم من معرفة وخبرة ومهارة فنية، لا سيما الرقيق الأبيض في الحرف المختلفة، كأعمال البناء والتجارة والتعدين وغيرها، يشتغلون لحساب أسيادهم، كما استخدموا كحرس لهم ومشرفين على إدارة مبيعاتهم. وقد روي أن عاملا روميا عمل في بناء الكعبة في حياة الرسول قبل البعثة, كما رسم بعض العمال المسيحيين صورًا للأنبياء والملائكة ومريم العذراء، وغير ذلك من قصص الوحي الديني على جدران الكعبة، حتى إذا فتح الرسول مكة طمسها مثلما حطم الأصنام التي كانت هذه الصور قد أقحمت معها للزينة وربما تقديسا لها. وكان لهؤلاء الأرقاء إسهام في إدخال بعض الألفاظ الفارسية والإغريقية والحبشية إلى اللغة العربية، منذ عهد ما قبل الإسلام، كما استخدموا في الترفيه من رقص وغناء وضرب على الأوتار. وكان بوسع العبد أن يسترد حريته بأن يؤدي لسيده خدمة عظيمة، أو يظهر شجاعة فائقة في موقعة