للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن بعض أبيات للنابغة الذبياني، نستدل أنهم عرفوا الحساب١، فقد قال في معلقته:

واحْكُمْ كحكم فتاة الحي إذ نظرت ... إلى حمام سراع وارد الثمدِ

قالت: ألا ليتما هذا الحمام لنا ... إلى حمامتنا مع نصفه فقدِ

فحسبوه فألفوه كما ذكرت: ... تسعًا وتسعين لم تنقص ولم تزدِ

فكلمت مائة فيها حمامتها ... وأسرعت حسبة في ذلك العددِ٢

ولنلاحظ أن نقل هذه العملية الحسابية إلى علم الجبر، يعطينا المعادلة البسيطة التالية، على اعتبار أن العدد ٦٦ هو عدد الحمام الذي أشارت إليه الفتاة٣:

س + س/٢ + ١ = ١٠٠

ولا نستطيع أن نقول: إنه كان للجاهليين فلسفة، غير أن كثيرًا من الخطرات الفلسفية نشاهدها في شعرهم، كقول زهير بن أبي سلمى:

رأيت المنايا خبط عشواء من تصب ... تمته ومن تخطئ يُعَمر فيهرم

ومثل هذه الخطرات كثيرة في الشعر الجاهلي الذي نتبين فيه آراء كثيرة تتصل بالسياسة والعدل والحرية والحكم والأخلاق، ولا سيما في معلقتي زهير بن أبي سلمى وطرفة بن العبد.

ولطرفة بن العبد آراء في الأخلاق، تكاد تشبه آراء الفلاسفة الأبيقوريين في اللذة، ولا تختلف عن آراء هؤلاء إلا بكونها أكثر ميلًا إلى اللذة المادية، فهو يرى لذته في الخمرة، وإكرام الضيف واللهو مع النساء:


١ يذكر الألوسي أنهم كانوا يحسبون بواسطة عقود الأصابع، إذا وضعوا كلًّا منها بإزاء عدد مخصوص، ثم رتبوا لأوضاع الأصابع، آحادًا وعشرات ومئات وألوفًا، ووضعوا قواعد يتعرف بها حساب الألوف فما فوقها بيد واحدة "الألوسي: ٣/ ٣٩٧".
٢ الألوسي: ٣/ ٣٨٣؛ والثمد: الماء القليل، وكلمة فقد: أي فحسب؛ ويقصد بفتاة الحي: زرقاء اليمامة.
٣ عمر فروخ: تاريخ الفكر العربي، ص١٦٩.

<<  <   >  >>