للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلكية، متمثلة في القمر والشمس والزهرة، تلك الكواكب التي اعتبروها أسرة إلهية واحدة، مؤلفة من أب هو القمر، وأم هي الشمس، وابن هو عثتر "كوكب الزهرة". وقد قدمت عنها لمحة في فصل سابق.

وهناك من الدلائل أن العرب الشماليين أيضا قد كرسوا بعض عبادتهم للشمس والقمر، إذ اتخذوا للشمس صنمًا بيده جوهرة على لون النار وله بيت خاص، وقد وقفوا له بعض الأوقاف وجعلوا له سدنة، وكانوا يصلون للشمس ثلاث مرات في اليوم: وقت طلوعها ووقت غروبها ووقت توسطها الفلك. واتخذوا للقمر صنمًا على شكل عجل وبيده جوهرة, يعبدونه ويسجدون له، ويصومون له أيامًا معلومة من كل شهر، ثم يأتون إليه بالطعام والشراب، فإذا فرغوا من الأكل أخذوا في الرقص والغناء والعزف بين يديه. ومن العرب من اتخذ عبادة الأصنام مثل الكواكب، وبنوا لها هياكل، وجعلوا لها عبادات خاصة١.

ومن الكواكب التي عبدها عرب الشمال "النجم الثاقب" وهو كوكب "الزهرة" الذي عبده الجنوبيون باسم "عثتر"٢. وقد ورد ذكره في القرآن الكريم باسم "الطارق" في قوله تعالى: {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ، النَّجْمُ الثَّاقِبُ} ٣. وقد أدان التنزيل الحكيم عبادة الشمس والقمر في قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} ٤. وفي القرآن الكريم إشارات إلى عبادة الكواكب قبل معرفة الله سبحانه وتعالى، في قصة إبراهيم عندما أنحى باللائمة على أبيه عبادته وقومه للأصنام، لكنه عندما رأى كوكبا توهم أنه الله فلما أفل انصرف عنه، وكذلك عندما رأى القمر ثم الشمس {فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ, إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِين} ٥.


١ الألوسي: ٢/ ٢١٥-٢١٦، ٢٣٧-٢٣٩، نقلها عن كتاب "السر المكتوم في مخاطبة النجوم" المنسوب لابن خطيب الري.
٢ ديتلف نلسن: المصدر نفسه ص١٩٩-٢٠٠.
٣ [الطارق: ١، ٢، ٣] .
٤ [فصلت: ٣٧] .
٥ [الأنعام: ٧٩] .

<<  <   >  >>