للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نظرهم قوى عليا، هي فوق الطبيعة، ظنوا أنها كامنة فيها، كما أنها تمثل الأرواح التي تقدم معنا الحديث عنها، ومنها أرواح أسلافهم وأبطالهم ورجالهم الصالحين المتوفين، أو آلهة معينة، جعلوها رمزًا لها. وقد مرت معنا بعض الشواهد على ذلك، مثل إقامة بني قابيل تمثالا لجدهم، أو إقامتهم أيضا تماثيل لخمسة من أسلافهم الصالحين، صاروا يطوفون حولها تعظيمًا لهم. ومثل ما روي أن "اللات" في الطائف كانت تمثل رجلا من ثقيف، عبدوه عندما قال لهم عمرو بن لحي الخزاعي: إنه لم يمت إنما دخل الصخرة، وأمرهم بأن يبنوا عليها بنيانًا وأن يطوفوا حولها تعظيمًا له١، أو أنه قال لهم: إن ربكم دخل هذه الصخرة، ونصبها لهم ليعبدوها. وقد اعتقد الجاهليون أيضا، أن فيها وفي العزى شيطانين يكلمان الناس.

كان لكل قبيلة إلهها الخاص، وقد تشترك عدة قبائل في عبادة إله أكبر، ويظهر أن العرب قد اقتبسوا شيئا من معتقداتهم وعباداتهم وأصنامهم من الأمم المجاورة. فقد كان من أصنامهم ما هو قديم، نشأت عبادته في شبه جزيرة العرب، كالذي ذكرته عما روي من إقامة بني شيث بن آدم وبني قابيل بن آدم تماثيل لأسلافهم، كما كان منها ما هو دخيل عليهم جاءهم من خارج شبه الجزيرة، ولا سيما من الشعوب السامية في شمال بلادهم.

ففي رواية لابن الكلبي أن أول من غيَّر دين إسماعيل "فنصب الأوثان، وسيب السائبة، ووصل الوصيلة، وبحَّر البحيرة، وحمى الحامية" هو عمرو بن لحي الخزاعي، الذي كان يلي أمور مكة والكعبة بعد جرهم، إذ "مرض مرضًا شديدًا فقيل له: إن بالبلقاء من الشام حَمَّة إن أتيتها برئت. فأتاها فاستحم بها فبرئ، ووجد أهلها يعبدون الأصنام، فقال: ما هذه؟ فقالوا: نستسقي بها المطر ونستنصر بها على العدو. فسألهم أن يعطوه منها، ففعلوا فقدم بها مكة، ونصبها حول الكعبة"٢.

كانت الكعبة معبدا كبيرا يضم أكبر عدد من الأصنام والأوثان. فقد حطم فيها الرسول -صلى الله عليه وسلم- عند فتحه مكة، أكثر من ثلاثمائة صنم. ذلك أن قريشا قد نصبت في داخل الكعبة وحولها أصنام شتى القبائل العربية القريبة منها والبعيدة، لتجذبها إلى زيارة


١ ياقوت: معجم البلدان، مادة اللات، جواد علي: ٥/ ٩٣.
٢ ابن الكلبي: ص٨.

<<  <   >  >>