للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لقد اختلف العلماء في تفسير معنى الجاهلية؛ فالمسلمون الذين درجوا على استهجان ما كان عليه العرب من وثنية قبل الإسلام قد قصدوا من هذه التسمية إلى وصم القوم بجهل الدين الحنيف، كما جاء في قوله تعالى: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ} [الزمر: ٦٤] ، و {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} [آل عمران: ١٥٤] ، بينما قصد بها بعض المستشرقين ونفر من الباحثين العرب المحدثين الجهل الذي يعني تنكب سبيل العلم، بالإضافة إلى الجهل بشريعة الله وبتعاليم الدين وسلوك سبيل التجبر والمفاخرة بالأنساب.

وقد أشار المستشرق المجري "كولدزهير" إلى ذلك بقوله: إنها "السفه الذي هو ضد الحلم"، ونفى الدكتور أحمد أمين "كونها الجهل الذي يعني تنكب طريق العلم، بل كونها التخلق بأخلاق منافية للاتزان وضبط النفس كالخفة والغضب"١. أما الدكتور جواد علي فقد عرفها "بكونها عدم الخضوع لقانون عام سوى تقاليد البادية على ما فيها من الفوضى الاجتماعية، ويقابلها الإسلام وعماده الخضوع لله والانقياد له والرضوخ لما تقتضيه مصلحة الجماعة الإسلامية، واتباع قانون عام هو القانون الإلهي الذي شرعه الدين الجديد"٢. وقد جاء في القرآن الكريم ما يؤيد هذا المعنى ببيان ما كانت عليه أحكام الجاهلية من جور وضلال، وتفريق بين الناس في المنزلة والمعاملة، كقوله تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُون} [المائدة: ٥٠] ، ولا سيما قوله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاما} [الفرقان: ٦٣] ، تلك الآية التي يقول أحمد أمين أن "لعلها المفتاح الذي نصل به إلى معرفة السبب في تسمية ما قبل الإسلام جاهلية والعهد الذي تلاه إسلامًا"٣. ومن هذا القبيل ما يروى عن قول الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- للصحابي أبي ذر الغفاري عندما عاب على رجل من المسلمين كونه ابن سوداء: "إنك امرؤ فيك جاهلية".


١ الدكتور أحمد أمين: فجر الإسلام، ص٦٩.
٢ الدكتور جواد علي: تاريخ العرب قبل الإسلام، ١/ ٦-٨.
٣ الدكتور أحمد أمين: نفس المصدر "٦٩-٧٠".

<<  <   >  >>