فقد اتصلت بحضارة البنجاب في الهند عن طريق المحيط الهندي، وبحضارة بلاد الرافدين عن طريق الخليج العربي، وبالحضارة المصرية عن طريق وادي الحمامات الذي يصل الشاطئ الغربي للبحر الأحمر بالعاصمة المصرية القديمة "طيبة". ولا ينكر ما كان للتجارة من فضل في ذلك، وقد كان اليمنيون يقومون بدور الوسيط التجاري، إذ يجمعون سلع الهند من توابل وبهارات وأفاوية وغيرها ويضيفون إليها ما تنتجه بلادهم من مر وبخور ولبان وعطور وغيرها, ويوزعونها -عبر طرق برية وبحرية تمر من الساحل الغربي أو الساحل الشرقي لشبه الجزيرة- في بلاد الرافدين وبلاد الشام ومصر الفرعونية.
كما كان للمصريين تجارة مع اليمنيين، وكانوا يسمون بلادهم باسم "إقليم البنط" ويقصدون بذلك البلاد الواقعة جنوب البحر الأحمر على ضفتي مضيق باب المندب، وقد وردت أخبار رحلاتهم فيما خلفته حضارة الفراعنة من كتابات ترجع إلى الملك "ساحورع" من الأسرة الخامسة "القرن ٢٦ ق. م" وقد قاد أو أرسل كل منهما حملة إلى بلاد البخور "البنط" وكانتا ناجحتين، وعادت السفن المصرية محملة بالبخور والأخشاب الثمينة والجواهر والصمغ وغير ذلك من المحاصيل.
إن أهم الدول التي قامت في الجنوب العربي هي بالتتابع: معين، قتبان، حضرموت، سبأ، حمير, غير أننا قبل الشروع في دراستها لا بد من لفت الانتباه إلى ناحية مهمة في معالجة تاريخ اليمن, هي أنه لا يصح الاعتماد على روايات الأخباريين العرب في كتابته؛ لأن ما أوردوه عنه أقرب إلى الخيال والخرافة والأساطير منه إلى الحقائق العلمية، كما أوردت سابقًا.