٢ - أو تخييل العدول إلى أقوى الدليلين من العقل واللفظ؛ كقوله [من الخفيف]:
قال لى: كيف أنت قلت: عليل (١)
ــ
ذكر الحذف على الذكر؛ لأن الذكر هو الأصل فلا تتشوف النفس إلى ذكر الموجب له، بخلاف الحذف، وحذفه لأحد أمور بمعنى أن الاعتبار المناسب حذفه عند وجود واحد من هذه الأمور؛ فإن حذف لا لواحد منها كان حذفا على غير الوجه المناسب.
الأول: الاحتراز عن العبث بناء على الظاهر، يعنى بقوله فى الظاهر أن ذكره يكون فى الظاهر عبثا لإغناء القرينة عنه، وإن كان فى الحقيقة غير عبث، كقولك لمن يستشرف الهلال:(الهلال والله) أى هذا الهلال، فلو صرحت بذكر المبتدأ لكان ذكره عبثا فى الظاهر، بمعنى أنه لا يظهر له فائدة.
واعلم أن المصنف جعل هذا فى الإيضاح جزء علة، وأضافه إلى الاختصار، وإنما اقتصر على هذا هنا؛ لأنهما يرجعان لشئ واحد، والظاهر أن الاختصار هنا هو الحذف، والاقتصار على الخبر يترتب على الحذف، فإن كان كذلك فكيف يعلل الحذف بنفسه؟ وإن كان الاختصار هو جعل معانى اللفظ الكثير فى لفظ قليل فلا يتأتى هنا؛ لأن معنى المسند إليه ليس مجعولا فى المسند، بل حذف، ودل عليه بالقرائن، وقد يجاب بأن مراده بقصد الاختصار أن يقصد المتكلم الاختصار فى الجملة، والمراد بالحذف حذف شئ خاص، وهو المسند إليه.
الثاني: أن يقصد تخييل العدول إلى أقوى الدليلين من العقل واللفظ، كقولك:(قائم) فى جواب: (كيف زيد؟) وإنما قلنا: أقوى الدليلين لأنك لو قلت: (زيد قائم) أو (هو قائم) لكان الكلام مفيدا للمسند إليه بلفظه، ولو قلت: قائم لكان يدل عليه بدلالة العقل القاضية بأن السؤال كالمعاد فى الجواب، فالدليلان هما العقل واللفظ، وأقواهما العقل؛ فالعقل يدل على المسند إليه، واللفظ لو ذكر دل عليه،
(١) عجزه: سهر دائم وحزن طويل. والبيت فى دلائل الإعجاز غير منسوب ١٨٤، والمعاهد (١/ ١٠٠)، والإيضاح (١/ ٥٦، ٣٢).