وفى كليهما نظر أما الأول فلما سيأتى، وأما الثانى فلا خلاف التعظيم مستفاد من البناء للمرة ومن نفس الكلمة، لأنها إما من قولهم: نفحت الريح إذا هبت أى هبة، أو من قولهم: نفح الطيب، إذا فاح أى فوحة، كما يقال: شمة، واستعماله بهذا المعنى فى الشر استعارة؛ إذ أصله أن يستعمل فى الخير يقال له: نفحة طيبة أى هبة من الخير، وذهب أيضا إلى أن قوله: يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ (١) نكر العذاب فيه للتهويل، أو لخلافه والظاهر أنه لخلافه، وإليه مال الزمخشرى، فإنه ذكر أن إبراهيم عليه الصلاة والسّلام لم يخل هذا الكلام من حسن الأدب مع الله؛ حيث لم يصرح فيه أن العذاب لا حق له لاصق به؛ لكنه قال: إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فذكر الخوف والمس، ونكر العذاب. اه كلامه وهو ضعيف، وأما قوله: فلما سيأتى فسنتكلم عليه فى موضعه، وأما قوله أن خلاف التعظيم مستفاد من المرة قد يمنع دلالة المرة على التحقير، فإنه لا ملازمة بين الوحدة والتقليل، بل بين صدقهما عموم وخصوص من وجه، وأما التقليل فيحتمل أن يقال: لا يستفاد من المرة بل المستفاد من المرة الإفراد، وهو غير التقليل، فالشئ العظيم الواقع مرة واحدة لا يقال له: قليل، وقوله: إنه مستفاد من نفس الكلمة ذكره الزمخشرى، وليس له فى كلمة النفح وفعلها ما يدل على ذلك؛ بل هو مستفاد من المس، ولا نسلم أن معنى فاح وهب وشم نفحة وهبة وشمة، بل الأعم من ذلك، وإنما الذى قد يقال: إنه يدل على الوحدة هو النفحة، وقوله: إنه استعارة، لأنه إنما يستعمل فى الخير محتاج لنقل ذلك عن أهل اللغة، وكون التنكير للتهويل أو خلافه ينبنى عليهما استعمال الرحمن، فعلى الأول تكون الحكمة فيه الإشارة إلى أن من هو كثير الرحمة لا يعذب إلا عن ذنب عظيم لا مجال للعفو فيه وعلى الثانى يكون ذكره للتلطف.
[(تنبيهان)]
الأول: ما تقدم فى تنكير الوحدة والتقليل والتعظيم والتحقير، ليس معناه أن مع كل نكرة صفة محذوفة، فإذا قلت: أكرم رجلا تريد واحدا، فقد أطلقت الرجل، وأردت تقييده بالوحدة، وليس فى اللفظ صفة واحد وقد حذفت اكتفاء عنها