حسن كل من التحقيقيّة والتمثيل: برعاية جهات حسن التشبيه، وألّا يشمّ رائحته لفظا؛ ولذلك يوصّى أن يكون الشبه بين الطرفين جليّا؛ لئلا يصير إلغازا؛ كما لو قيل:
رأيت أسدا وأريد إنسان أبخر، ورأيت إبلا مائة لا تجد فيها راحلة (١)، وأريد الناس.
ــ
حقيقة، بل جعلها" تخييلية" مجازا، فلم يكن ما ذهب إليه مغنيا عما ذكره غيره، أى لم يكن تقسيم الاستعارة إلى: مصرح بها، ومكنى عنها مغنيا عن تقسيمها إلى: تبعية، وغيرها لأن نحو:" نطقت" استعارة تخييلية مقرونة بالمكنية فهى مجاز، وإذا كان كذلك فهى تخييلية تبعية، بخلاف" الأظفار" فى قوله:" أنشبت أظفارها" فإنها تخييلية أصلية؛ فثبت أن تقسيم الاستعارة إلى: أصلية، وتبعية لا بد منه، سواء أكانت التبعية داخلة فى المكنية أم لا. قال بعضهم: لا يلزم ذلك؛ لأن التبعية والأصلية قسمان للتحقيقية، وإذا كانت هذه خيالية لا تسمى تبعية، واعلم أن فى عبارة السكاكى، وقوله:" التبعية من جنس المكنية" نظرا، ينبغى أن يقول:" من جنس الخيالية" كما هو مقصود غايته أن التبعية إذا كانت خيالية، والفرض أنها لا تحسن إلا مع المكنية أطلق عليها مكنية، لاقترانها بها، وفى نقل المصنف أنه اختار رد التبعية إلى المكنية نظر، لأنه لم يصرح باختيار ذلك، بل قال: لو جعل التبعية من المكنية لكان أقرب إلى الضابط، وليس ذلك صريحا فى اختيار هذا، قال فى الإيضاح: لكن يستفاد مما ذكره رد التركيب فى التبعية إلى تركيب الاستعارة بالكناية على ما فسرناها، وتصير التبعية حقيقة واستعارة تخييلية لما سبق؛ لأن التخييلية على ما فسرناها حقيقة لا مجاز.
حسن كل من التحقيقية والتمثيل: ص: (فصل حسن كل من التحقيقية إلخ).
(ش): لما استوفى أقسام الاستعارة والمجاز المركب شرع فى ضابط حسن كل منهما فقال: حسن كل من التحقيقية والتمثيل، وهو المجاز المركب وعطفه على الاستعارة وإن كان منها؛ لأنه لا يريد الاستعارة التى هى قسم من المجاز المفرد بأمور إن وجد فيها حسنت، وإلا عريت عن الحسن؛ بل ربما اكتسبت قبحا برعاية جهات
(١) قال صلّى الله عليه وسلّم: إنما الناس كالإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة خ خ. أخرجه البخارى عن ابن عمر، كتاب الرقاق باب رفع الأمانة، ومسلم ك فضائل الصحابة وابن ماجه وأحمد.