للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[(الغرض من التشبيه)]

والغرض من التشبيه - فى الأغلب - أن يعود إلى المشبّه، وهو: بيان إمكانه؛ كما فى قوله (١) [من الوافر]:

فإن تفق الأنام وأنت منهم ... فإنّ المسك بعض دم الغزال

ــ

الزجاج فأوضح لأنه منحل فى المعنى إلى قولك: كأخوتى لك موجود فلا مبالغة.

التاسع: قيل يستثنى من كون مثل أداة تشبيه، نحو قولهم: مثلك لا يفعل كذا، فليست تشبيها، وفيه نظر؛ لأن المراد من هو على مثل صفتك لا يفعله، فليست مثل هنا زائدة مقحمة كما قيل، بل هو نفى للفعل عن المخاطب بطريق برهانى وفيه بحث سبق فى موضعه.

العاشر: ما ذكرناه من أن كأن للتشبيه لا فرق فيه بين أن تخفف نونها أو لا، ولا فرق فيه بين أن تتصل بما الكافة أو لا، فإن ما الداخلة عليها لا تغير معناها كما صرح به شيخنا أبو حيان وصاحب البسيط، فإذا قلت: كأنما زيد أسد. فزيد مشبه وأسد مشبه به، وإذا قلت: كأنما قام زيد. كان كقولك: كأن زيدا قام. وستجد التشبيه بكأنما فى مواضع من كلام المصنف، الحقيقة على ذلك المعنى فالعدول عن ذلك إلى دعوى أن شيئا آخر يشبه ذلك الشئ فى هذا المعنى، أو أن هذا الشئ له شئ آخر يشبهه أمر على خلاف المعهود؛ فلذلك تكلموا عليه، وهو قسمان: أحدهما:

أن يكون غرضا يعود إلى المشبه، وذلك لأحد أمور:

منها: أن يقصد بيان إمكان وجود المشبه، وذلك فى أمر غريب، يمكن أن يدعى استحالته، كما فى قول أبى الطيب:

فإن تفق الأنام وأنت منهم ... فإنّ المسك بعض دم الغزال

فإنه إذا ادعى أن الممدوح تناهى فى الصفات الفاضلة إلى حد يضير به كأنه ليس من الأنام، وتناهى بعض النوع الواحد فى الفضيلة إلى حد يصير به كأنه نوع آخر، يفتقر من يدعيه إلى إثبات إمكانه؛ فلذلك قال: إن المسك بعض دم الغزال، ومع ذلك قد تناهى فى الصفات الشريفة إلى حد يتوهم لأجله، أنه نوع غير الدم.


(١) البيت للمتنبى من قصيدة يرثى فيها والد سيف الدولة، ديوانه ٣/ ١٥١، والإشارات ص ١٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>