وقوله (المفرد) إما يعنى به اللفظ بكلمة واحدة، كما يقتضيه ما فسر به فصاحة المفرد بعد ذلك فيخرج عنه نحو: عبد الله علما كان أم لم يكن، وذلك يوصف بالفصاحة لا محالة، أو يعنى: ما وضع لمعنى ولا جزء له يدل فيه، فيخرج عنه أيضا.
الثانى: أو يعنى: ما يقابل الجملة فيخرج عنه الجملة الموصول بها، كقولك: رأيت الذى ضربته فإنها ليست بكلام فلا تدخل حينئذ فى المفرد، ولا فى الكلام، وكذلك كل واحدة من جملتى الشرط، وجوابه وهذه الأمور إذا خرجت عن المفرد ولم تدخل فى الكلام؛ لأنها ليست بكلام ففى أين يشرح فصاحتها؟ ولو قال المفرد والمركب لكان أحسن وقوله (والمتكلم) سيأتى ما عليه إن شاء الله تعالى.
[ما يوصف بالبلاغة]
ص:(والبلاغة يوصف بها الأخيران فقط).
(ش): اعلم أن البلاغة فى اللغة من قولهم: بلغ بالضم إذا انتهى، ولا يوصف بها الكلمة إنما يوصف بها الكلام والمتكلم، وسيأتى ما على ذلك إن شاء الله تعالى. وقدم الفصاحة؛ لأنها أكثر مجالا من البلاغة، ولكون الفصاحة كالشرط للبلاغة على ما ستراه. وقال بعض الشارحين: لكونها أعم من البلاغة، وليس بجيد لما سيأتى، وقال الخطيبى الشارح: فلا يقال: كلمة بليغة فكل ما يوصف بالبلاغة يوصف بالفصاحة من غير عكس، وهذا بحسب الاصطلاح الذى ذكره ابن الأثير، وتابعه المؤلف وبعضهم يقول: الفصاحة والبلاغة مترادفان. فعلى هذا كل فصيح بليغ أيضا. اه.
قلت: قوله: كل ما يوصف بالبلاغة، يوصف بالفصاحة صحيح؛ لأن شرط البليغ أن يكون فصيحا كما سيأتى، وقوله:(وغيره يقول مترادفان) هو ما صرح به الجوهرى حيث قال: البلاغة الفصاحة والظاهر أنه يقصد بذلك أن البلاغة تكون فى الكلمة، كما تكون فى الكلام وذلك لا يوجب ترادفا؛ بل يوجب أن كل محل صلح للفصاحة صلح
للبلاغة، وإن اختلف معناهما. وقد صرح جماعة بأن بين البلاغة والفصاحة تغايرا وأن كل ما صلح لإحداهما من كلام ومتكلم وكلمة، صلح للأخرى، وقوله بعد ذلك:(فعلى هذا كل فصيح بليغ أيضا) أى سواء كان كلمة أم كلاما أم متكلما. ثم قال بعضهم:
البلاغة لا توجد فى الكلمة، فكانت أخص من الفصاحة فبذا قدمت الفصاحة عليها؛ لتقدم العام على الخاص؛ لأن الخاص عام مع شئ آخر.