للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

واعترض على المصنف بأن البيت لا تشبيه فيه، وأجيب بأن التقدير: فأنت كالمسك، ثم ذكر حال المسك فقال: إن المسك بعض دم الغزال. والمشبه فى قولنا: أنت كالمسك، لا يقصد إثبات إمكانه، فالصواب فى العبارة أن تقدر: فحالك حال المسك؛ لأن حاله من كونه بهذه الصفة، هو المستغرب، والظاهر أن جواب الشرط فلا بدع؛ فليس هذا من التشبيه اللفظى فى شئ.

نعم هو تشبيه معنوى، ثم أقول: بيان إمكان المشبه لم يحصل من التشبيه؛ لأن الغرض من التشبيه بيان إمكان المشبه، كما زعم المصنف، ومثله السكاكى بقول ابن الرومى:

قالوا أبو الصّقر من شيبان. قلت لهم: ... كلّا لعمرى! ولكن منه شيبان

كم من أب قد علا بابن ذرى شرف ... كما علا برسول الله عدنان

وكذا قول بعض المغاربة:

فإن كنت قد أنسيت بعض قضائهم ... فإنّ اللّيالى بعضها ليلة القدر

وقد ذكر جماعة أن هذا المعنى لم يسبق أحد المتنبى إليه، قال ابن وكيع: لا أعرفه منظوما، لكن وجدته فى منثور، وهو أنه قيل: الناس يتفاضلون تفاضل الدماء، منها مسك يباع، ومنها علق يضاع. وقد اعترض بعض الفضلاء على المتنبى بأن التشبيه ليس صحيحا، فإن نوع الإنسان ليس بمثابة الدم الذى فيه زفرة ورداءة، وهو وهم. فإنه إنما أراد أن يعيب غير ممدوحه من أهل زمانه فإن قيل هذا البيت:

رأيتك فى الذين أرى ملوكا ... كأنّك مستقيم فى محال

وقد اعترض بعض من حضر مجلس سيف الدولة على المتنبى قوله: مستقيم فى محال، بأن المستقيم لا يضاد المحال، وإنما يضاد المعوج. فقال له سيف الدولة: هب أن القصيدة جيمية، فما تصنع بالبيت الثانى؟ فقال: يقول: فإن البيض بعض دم الدجاج. فقال سيف الدولة: ارتجاله حسن، إلا أنه يصلح أن يباع فى سوق الطير، لا أن يمدح به الملوك.

<<  <  ج: ص:  >  >>