للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بالتخصيص وغيره، ألا ترى إلى قوله:" فأحرموا كلهم إلا أبو قتادة لم يحرم" (١) كيف دخله التخصيص مع تأكيده؟ وكذلك: فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ (٢) إن كان الاستثناء متصلا، وإن تخيل فى جوابه أن التأكيد مقدر حصوله بعد الإخراج، فالمؤكد إنما هو غير المخرج ورد بنحو قوله تعالى: وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها (٣) والاستغراق فيه متعذر، لأن آيات الله تعالى لا تتباهى، وبعد أن كتبت ذلك بحثا رأيته منقولا، قال الإمام فى البرهان: ومما زل فيه الناقلون عن الأشعرى ومتبعيه أن صيغة العموم مع القرائن تبقى مترددة، وهذا وإن صح يحمل على توابع العموم

كالصيغ المؤكدة. اه، فقد صرح بأن التأكيد لا يرفع احتمال الخصوص؛ لكن وجدت ما قد يدل لما قالوه وهو قوله تعالى: يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ (٤) فى قراءة من نصب كله لأنه لو لم يعينه للعموم لما قابل هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ وهذا يدخل فى المجاز، لأن التخصيص مجاز قال السكاكى: ومنه كل رجل عارف وكل إنسان حيوان ورد عليه فى الإيضاح بأن كل هذه للتأسيس لا للتأكيد، فإنها مفيدة للشمول بخلافها فى قام الناس كلهم، فإن العموم مستفاد من غيرها، فلذلك أفادت التأكيد وهذا الذى قاله صحيح؛ إلا أن كلام السكاكى لعله يشير إلى ما قلناه من أن لفظ كل وإن أكدت لكنها لا تنفى إرادة التخصيص، بل تبعده لأنها صريحة فى العموم، بخلاف لفظ الناس المؤكد بها، فكأنه يقول: إفادة الناس كلهم العموم كإفادة كل إنسان فى القوة، وإن كانا قابلين للتخصيص فكأنها للعموم المؤكد، كما يقال: إن لتأكيد الإثبات، أو يقال: أراد أنها تؤكد دلالة النكرة على شائع فى جنسه، وإن أفادت الاستغراق فإن إنسانا دال على قيام رجل، فإذا قلت: كل إنسان تأكدت الدلالة على الواحد لأنها موجودة مع كل فرد من أفراده التى دل اللفظ عليها،


(١) أخرجه البخارى فى" جزاء الصيد"، باب: لا يشير المحرم إلى الصيد لكى يصطاد الحلال، (٤/ ٣٥)، (ح ١٨٢٤)، وفى غير موضع من صحيحه، ومسلم فى" الحج" (٣/ ٢٧٨) ط. الشعب. ولفظ مسلم:" إلا أبا قتادة ... ".
(٢) سورة ص: ٧٣.
(٣) سورة طه: ٥٦.
(٤) سورة آل عمران: ١٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>