للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لا نفس الخبر، كما إذا قيل لك: كيف الزاهد؟ فتقول: الزاهد يشرب ويطرب.

وأورد عليه أن قوله: (لا نفس الخبر) يشعر بتجويز أن يكون المطلوب بالجملة الخبرية نفس الخبر، وهو باطل؛

لأن نفس الخبر تصور لا تصديق، والمطلوب بها إنما يكون تصديقا. وإن أراد بذلك وقوع الخبر مطلقا، فغير صحيح؛ لأن العبارة عن مثله، لا يتعرض فيها إلى ما هو مسند إليه، كقولك: وقع القيام.

(قلت): وما ذكره ضعيف، لأن السكاكى لم يرد أن نفس الخبر منفكا عن الحكم مقصود، حتى يقول: هو تصور. وإنما قيل فى كلامه: إن المراد أن المسند إليه، يستدعى مسندا، غير معين. فإذا لم يقصد مطلق الإخبار عنه بل الإخبار عنه بأمر مستغرب خلاف ما فى الذهن، قدم المسند إليه؛ ليظن حال النطق أن المسند ليس المسند إليه، فيكون ذكره بعد ذلك، أوقع فى النفس لغرابته؛ ولذلك مثله بقولك: الزاهد يشرب؛ لأنه يستغرب الحكم على الزاهد بذلك، ولو قلت: يشرب الزاهد، لسرى الذهن إلى أن المسند إليه ليس زاهدا. وقيل: مراده أن يقصد الإنصاف الدائم، لا مجرد وقوع الفعل. فإن قوله: الزاهد يشرب يشير إلى الحالة الدائمة بخلاف قوله: يشرب الزاهد لا يعطى إلا مجرد الفعل كذا قيل وفيه نظر؛ لأن يشرب أيضا قد يعطى التكرار لكونه فعلا مضارعا كما سيأتى إلا أن يقال: إن دلالة المضارع على التكرار إنما هى إذا وقع خبرا، كما هو ظاهر كلام الزمخشرى.

وينبغى أن تمثل بقولك: يشرب الزاهد؛ لدلالة الجملة الاسمية على الثبوت، والفعلية على التجدد.

ويحتمل كلامه وجها ثالثا: وهو أن يكون المراد، أنه إذا علم صدور المسند فى الجملة؛ ولكن لم يعلم المسند إليه، قدم المسند إليه؛ ولهذا قال: لا نفس الخبر، فإن الخبر معلوم الوقوع، وإنما قصد إيقاعه على شخص خاص. قال السكاكى: أيضا يقدم؛ لأنه يفيد زيادة تخصيص، كقوله:

متى تهزز بنى قطن تجدهم ... سيوفا فى عواتقهم سيوف

جلوس فى مجالسهم رزان ... وإن ضيف ألمّ فهم (١) خفوف (٢)


(١) فى الأصل: فهو، والصواب ما أثبتناه.
(٢) البيتان بلا نسبة فى التبيان ١/ ١٧٢، والمفتاح ص ١٠٥، والمصباح ص ٢٧، والبيتان فى المدح بالشجاعة والحكمة والكرم، وبنو قطن هم القوم الممدوحون.

<<  <  ج: ص:  >  >>