للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عقيانه، ونثر زهر آدابه عن أفنانه. واستولى على الذخيرة. واستوفى محاسن أهل الجزيرة، فلذلك رجوت أن تخرج طينته فى هذا العلم كتابا يملى على المغترين من العلم فيملأ صدورهم ملاءة، وأن يرد ما أخذه عباءة ملاءة. ثم أحجمت عن سلوك هذا المسرى فصرت أقدم رجلا وأؤخر أخرى لعلمى أن الباع قصير والمتاع يسير، والبضاعة مزجاة، والصناعة لا تسعف الآمل كل وقت بما رجاه. هذا موضع ضيق الوقت بأعداء ندرأ بالله فى

نحورهم، ونعوذ به من شرورهم: يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها (١). ويمكرون ويصدفون عما انتهى إليهم منا فنتلو: ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (٢).

إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا ... منّى وما سمعوا من صالح دفنوا

مثل العصافير أحلاما ومقدرة ... لو يوزنون بزفّ (٣) الرّيش ما وزنوا

صمّ إذا سمعوا خيرا ذكرت به ... وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا (٤)

يتناهبون من العمر الأيام والليالى، ويحولون لو قدروا بين القلب وما يحاوله من العلوم والمعالى، لا تصدع المواعظ قلوبهم فتردعهم، ولا يسمعهم المذكر بأيام الله ولو أسمعهم، ولم يرد الله نفعهم فما نفعهم، هذا مع غشيان الفتنة لهم فى كل عام، وإتيان دائرة السوء عليهم بما ينحرهم كالأنعام، وأن أحدا منهم لا يصل إلى ما يتمناه. فإنا حول مائدة الكرم نستبشر بقوله تعالى كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ (٥).

وأيّامنا مشهورة فى عدوّنا ... لها غرر (٦) معروفة وحجول


(١) سورة النحل: ٨٣.
(٢) سورة يوسف: ٣٨.
(٣) الزّف: صغير الريش، وخصّ بعضهم به ريش النعام. اللسان (زفف).
(٤) الأبيات من البسيط، وهى لقعنب ابن أم صاحب فى لسان العرب (شور)، (همع)، (أذن) والأول فى سمط اللآلى ص ٣٦٢، والثالث فى تاج العروس (أذن) ويروى الأول: (إن يسمعوا سبة)، (وما يسمعوا).
(٥) سورة المائدة: ٦٤.
(٦) الغرة: البياض فى جبهة الفرس، والتحجيل: بياض فى أقدام الفرس حتى موضع القيد، يعنى أن وقائعهم بين الأيام، كالأفراس الغر المحجلة بين الخيل.

<<  <  ج: ص:  >  >>