وبين التعقيد والتجريد كما فعل عبد القاهر فى كتابه أسرار البلاغة، غير أنه قد اضطرب الزمام فى يده فى دلائل الإعجاز لانشغاله بالرد على متكلمة زمانه والسابقين عليه.
وبعد هذه المقدمة أقول:
إن لكل مرحلة إذا طبيعتها من حيث منهج التأليف سواء فى علوم البلاغة أو غيرها من العلوم، وإنه لمن الظلم الواضح البين أن نحاكم مؤلفات القرن الثامن الهجرى وما بعده - حيث شروح التلخيص والمفتاح على كثرتها - إلى المناهج الحديثة فى الدرس البلاغى، فلكل عصر طبيعته ومنهجه.
وينبغى ألا يصدنا ذلك عن الاهتمام بتحقيق تلك المصادر وتنقيحها وإعادة طبعها ونشرها على الوجه العلمى اللائق بها، حيث تبدو أهميتها فى كونها حلقة من حلقات التراث البلاغى الذى إن فقدنا حلقة منه انقطع إسناده إلينا.
وكما ينبغى على راوى الحديث أن يثبت سلسلة الإسناد بكل رواتها دون نظر إلى حالهم من حيث العدالة أو التجريح، فكذلك تقتضى الأمانة العلمية إظهار التراث البلاغى بكل حلقاته كما هى بما فيها من ضعف أو قوة.
وأخيرا نقول: إن هذه المؤلفات قد أثرت تأثيرا كبيرا فى الإنتاج اللاحق بها، ولا يمكن تفسير ذلك الإنتاج وفهمه على وجه الصواب، إلا بعد الاصطبار على تلك المصنفات ومحاولة فهمها واستيعابها مهما لقى الباحث فى سبيل ذلك من معاناة، وبذل من جهد.
ولذا فنحن نقدم لدارس البلاغة كتاب عروس الأفراح فى ثوب قشيب يليق بجلالته، وبما ترك من تأثير كبير فى التأليف البلاغى بعده، وبما أثاره من مباحث وقضايا عديدة فى التراث البلاغى.
ولقد ذاع صيت السبكى صاحب هذا الكتاب بمصنفه هذا، وبلغت شهرته الآفاق، فحرىّ بنا أن نقف على ما فيه حتى تكتمل لدينا حلقات تراثنا البلاغى وحتى يتصل إلينا إسناده على حقيقته من قوة أو ضعف.
هذا وقد حاولنا جهدنا فى ضبط الكتاب على نسخه القديمة العتيقة، مع مراجعة بعض نسخه المخطوطة بدار الكتب المصرية.