للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كقوله [من الكامل]:

أو كلّما وردت عكاظ قبيلة ... بعثوا إلىّ عريفهم يتوسّم (١)؟!

ــ

أنهما علتان، وأن يريد أنهما جزءا علة، ومثل المصنف هذا بقول طريف بن تميم العنبرى:

أو كلّما وردت عكاظ قبيلة ... بعثوا إلىّ عريفهم يتوسّم (٢)

فإن يتوسم يدل على تجدده، وقد يقال: إن التجدد فى هذا البيت فهم من (كلما) الدالة على التكرار الذى هو ملزوم التجدد، فإن كان المراد أن معنى يتوسم أنه فى كل مرة يتكرر التوسم؛ فقد يمنع، إلا أن هذا البيت ذكره المصنف مثالا لا شاهدا، لكن لك أن تقول: (يتوسم) ليس مسندا، بل حال؛ لكنه مسند معنى، فإن قلت: كيف يكون التجدد فى الفعل الماضى؟ قلت: لأن كل فعل حادث تجدد بعد أن لم يكن، ولا نعنى أن قولنا: قام زيد يدل على أنه لم يكن قائما

على الدوام؛ لصحة قولنا: أحيا الله زيدا، وإن كان لم يزل حيا منذ صدق عليه اسم زيد، ولكن مدلول الفعل التجدد، وذلك أعم من تجدد شئ يتقدمه مثله أولا فإن الأفعال المستمرة ليست فعلا واحدا، بل الفعل فى كل وقت غير الفعل فى الوقت الذى قبله، وإن اتحدا بالنوع، ولذلك قال أصحابنا: من الأفعال ما دوامه فعل كالابتداء، وهو يخالف ما ذكره البيانيون، ولعلهم بنوا ذلك على العرف، فذكروه فى الأيمان، فإن بناءها على العرف غالبا.

(تنبيه): الفعل يدل على التجدد ماضيا كان أم مضارعا أم أمرا، غير أن التجدد الذى يدل عليه الماضى المراد به الحصول، والمضارع يدل على التجدد بمعنى أن من شأنه أن يتكرر ويقع مرة بعد أخرى، وقد صرح به الزمخشرى عند قوله تعالى: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ (٣) وسيأتى فى كلام المصنف فى الكلام على (لو) وأما ما وقع فى كلام


(١) عريف القوم: رئيسهم أو القيم بأمرهم. يتوسم: يتأمل.
(٢) البيت لطريف بن تميم العنبرى فى الإشارات والتنبيهات/ ٦٥، والأصمعيات/ ٦٧، وشرح المرشدى على عقود الجمان ١/ ١٠٦، ودلائل الإعجاز/ ١٧٦.
وعكاظ أكبر أسواق العرب فى الجاهلية، وعريف القوم: رئيسهم أو القيّم بأمرهم، يريد أنهم يبعثون إليه عريفهم من أجل شهرته وعظمته. انظر الإيضاح ٩٥، والتلخيص ٢٩.
(٣) سورة البقرة: ١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>