أى لكونه ابن عم، وادعى أن هذا الجواب خير من ادعاء أن (لو) بمعنى (إن) لسلامته من ادعاء النقل، ومن حذف الجواب. وليس كما قال: فإن كون (لو) تستعمل لقطع الربط لم يقله أحد، ولم يدل عليه دليل، وهو ادعاء قاعدة كلية مخالفة للأصل، بخلاف ادعاء أنها بمعنى إن، وأن الجواب محذوف؛ فإن الأول قال به جماعة، والثانى كثير.
وها أنا أذكر هذه المواضع وما يظهر من جوابها وأذكر - إن شاء الله تعالى - معها مواضع كثيرة لم يتنبهوا لها.
فمنها: صحة قولك لما ليس بإنسان: لو كان هذا إنسانا لكان حيوانا؛ لأنه يقتضى امتناع الحيوانية لامتناع الإنسانية، وليس كذلك؛ لأن عدم الأخص لا يلزم منه عدم الأعم. وهذا أورد على منطوق العبارة الثانية، ولا يرد على عبارة سيبويه إلا من جهة مفهومها. وجوابه: أن الحيوانية توجد بأحد أمور، منها: الإنسانية، وأن الإنسانية سبب، ولا يلزم من عدمه عدم المسبب لوجود سبب آخر، والسبب وإن لزم من عدمه عدم المسبب فإنما ذلك لذاته، فإذا كان للمسبب سبب آخر فإن المسبب حينئذ يوجد بذلك السبب الآخر، وكذلك الحيوانية إذا عدمت الإنسانية قامت بنوع آخر.
ومنها: قوله سبحانه: وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ (١) إن قلنا بالعبارة الثانية لزم أن يكون النفاد موجودا، وهذا لا يرد على عبارة سيبويه منطوقا؛ وإنما يرد عليها من جهة مفهومها.
وأجيب عنه بأن مفهوم الشرط مفهوم مخالفة، ومفهوم المخالفة إذا عارضه مفهوم الموافقة قدم مفهوم الموافقة، وهنا مفهوم الموافقة يقتضى عدم النفاد؛ لأن كلمات الله إذا لم تنفد مع سبعة أبحر، فأولى أن لا تنفد مع عدمها، كما تقول:(إن أساء إلىّ زيد أحسنت إليه)، ذكر هذا الجواب جماعة. وأما الجواب عن عبارة الجمهور فلم أر فيه ما يثلج فى الخاطر، وقد خطر لى عنه جواب أرجو أن يكون هو الصواب، وأن ينحل به غالب ما لعله يورد، وأقدم عليه مقدمات. إحداها: أن النفاد ليس عبارة عن مطلق الفناء، وإن أطلق ذلك كثير، بل عبارة عن فناء آخر جزء من الشئ، فإذا قلت:(نفد مال زيد) فمعناه أنه خرج شيئا فشيئا إلى أن فرغ، هذا هو الذى يبتدر منه إلى الذهن،