للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يقدح فيه أن السكاكى فى خطبة المفتاح عطف أحدهما على الآخر، وفصل بين المحامد والممادح، فقال:" حمد الله ومدحه بما له من الممادح أزلا وأبدا وبما انخرط فى سلكها من المحامد متجددا"؛ لأنه فى مقام إطناب يناسبه عطف الشئ على نفسه بلفظين مختلفين، وإنما جعل ما سماه متجددا منخرطا فى سلك ما سماه أبديا وغاير بين اللفظين؛ لأنه جعل معنى المحامد منخرطا فى معنى الممادح فيكون بينهما تباين، أو عموم وخصوص، وقد فرق السهيلى بينهما بأن الحمد يشترط صدوره عن علم لا ظن، وأن تكون الصفات المحمودة صفات كمال، والمدح قد يكون عن ظن وبصفة مستحسنة وإن كان فيها نقص ما، وقال لهذين الشرطين: لا يوجد الحمد لغير الله تعالى، وهو المستحق له على الإطلاق وقد يرد عليه قول عائشة رضى الله عنها فى قصة الإفك:" لا أحمد إلا الله" (١) وقولها:" أحمد الله لا أحمدك" وقوله تعالى: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً (٢) قال ابن عباس رضى الله عنهما: يحمده فيه أهل السموات والأرض. ولا أدرى كيف استخرج السهيلى من الشرطين اللذين ذكرهما كون الحمد لا يستعمل لغير الله؟ فإن صفات النبى صلّى الله عليه وسلّم صفات كمال يصدر كثير من ذكرها (٣) عن علم لا ظن، ثم لا نسلم له امتناع إطلاق الحمد لغير أهل الكمال، فقد يحمد غير الإنسان، كقول العرب: عند الصباح يحمد القوم السرى ومن أسمائه تعالى: الحميد. وقد قال الإمام فخر الدين فى تفسيره فى أواخر البقرة وفى كتابه اللوامع: إن حميدا يصح أن يكون بمعنى حامد، أى: يحمد الأفعال الحسنة وبمعنى حامد (٤)، وقال الشاعر:

ومن يلق خيرا، يحمد النّاس أمره ... ومن يغو، لا يعدم على الغىّ لائما (٥)

ولا يقدح فى الاستدلال به أن البيت للمرقش الأكبر، والكلام إنما هو فى الجواز


(١) حديث الإفك، أخرجه البخارى فى" التفسير" (٨/ ٣٠٦)، (ح ٤٧٥٠)، وفى غير موضع من صحيحه، ومسلم (ح ٢٧٧٠).
(٢) سورة الإسراء: ٧٩.
(٣) كذا بالأصل.
(٤) كذا بالأصل والصواب" محمود" ليغاير ما قبله.
(٥) البيت من الطويل، وهو للمرقش الأصغر فى ديوانه ص ٥٦٥، وللمرقش دون تحديد أهو الأكبر أم الأصغر فى لسان العرب (غوى)، وتاج العروس (غوى)، وشرح اختيارات المفضل ص ١١٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>