للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بخلاف نحو [من الطويل]:

ولو شئت أن أبكى دما لبكيته ...

وأما قوله (١) [من الطويل]:

ولم يبق منّى الشّوق غير تفكّرى ... فلو شئت أن أبكى بكيت تفكّرا

فليس منه؛ لأنّ المراد بالأول البكاء الحقيقىّ.

ــ

تعلقت نفسه بشئ أبهم عليه، لا يدرى ما هو فلما ذكر الجواب استبان بعد إبهامه.

وأكثر ما يقع ذلك بعد (لو)؛ لأن مفعول المشيئة مذكور فى جوابها وكذلك غيرها من أدوات الشروط، وقد يكون مع غيرها استدلالا بغير الجواب كقوله تعالى: وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ (٢) وقد يذكر إذا كان فيه غرابة لتأنيس السامع به كقوله:

ولو شئت أن أبكى دما لبكيته ... عليه ولكن ساحة الصّبر أوسع (٣)

وقال التنوخى: إنه إنما ذكر فى البيت لاحتياجه فى الوزن إلى ضمير بكيته فاحتاج لما يفسره ولتعظيم بكاء الدم أيضا أو يذكر لأن المذكور فى جواب لو خلافه كقول ابن عباد:

فلم يبق منى الشّوق غير تفكّرى ... فلو شئت أن أبكى بكيت تفكّرا

فإنه ليس المراد: فلو شئت أن أبكى تفكرا بكيت تفكرا، ولكن لو شئت أن أبكى البكاء الحقيقى، فالمراد بالبكاء فى الأول البكاء الحقيقى، وفى الثانى المجازى، إشارة إلى أنه من النحول لم يبق فيه محل لدمعة ولا شئ من الفضلات، فلو عصر عينيه لخرج منهما التفكر بدل الدمع، وأورد أنه: هلا يكون المراد فلو شئت أن أبكى تفكرا لبكيت تفكرا، معناه أنه فنى حتى صار قادرا على البكاء التفكرى؛ فيكون كالبيت قبله، وأجيب بأنه ليس التفكر مذكورا فى الشرط، وردّ بأن قوله: غير تفكرى يغنى عنه. قلت: وأيضا يكون محذوفا، ويتنازع فى تفكر المذكور فعلا الشرط وجوابه.

(تنبيه): قد يقال: ما الحكمة فى اطراد أو كثرة حذف مفعول المشيئة دون غيره من الأفعال؟


(١) هو للجوهرى من شعراء الصاحب بن عباد.
(٢) سورة البقرة: ٢٥٥.
(٣) البيت من الطويل، وهو للجوهرى من شعراء الصاحب بن عباد.

<<  <  ج: ص:  >  >>