للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأّول (١) من الحقيقى: نحو: ما زيد إلا كاتب إذا أريد أنه لا يتّصف بغيرها؛ وهو لا يكاد يوجد؛ لتعذّر الإحاطة

بصفات الشئ.

والثانى: كثير؛ نحو: ما فى الدار إلا زيد خ خ، وقد يقصد به (٢) المبالغة؛ لعدم الاعتداد بغير المذكور.

ــ

نقول: إن سلمنا ذلك على ضعفه ومخالفته لكلام الجمهور، فإلا الواقعة بين الموصوف والصفة لا يتحقق فيها استثناء لا بالتفريغ ولا بخلافه فليتأمل، لا يقال: يقع القصر بين الموصوف والصفة فى نحو: رأيت رجلا إنما هو قائم، فإن جملة إنما نعت؛ لأن القصر هنا إنما وقع بين مبتدأ هذه الجملة وخبرها، فالأول من الحقيقى قصر الموصوف على الصفة، كقولك: ما زيد إلا كاتب، فإنك قصرت فيه الموصوف، وهو زيد على الصفة، وهى الكتابة، وهذا لا يكاد يوجد؛ لأنه كيف يكون للذات صفة واحدة؟ أم كيف يمكن إحاطة العلم بذلك أن لو كان؟

والثانى من الحقيقى: قصر الصفة على الموصوف، وهو يجرى كثيرا بين المبتدأ والخبر، كقولك: ما كاتب إلا زيد، والفعل وفاعله نحو: ما قام إلا أنا، وما ضرب عمرا إلا زيد، والحال كقولك: ما جاء زيد إلا راكبا؛ لأنك قصرت المجئ على صفة الركوب، معناه ما جاء فى حال إلا فى حال الركوب، فهو بمعنى: ما زيد إلا راكب، كذا قالوه، وفيه نظر؛ لأن هذا يتعذر مثل ما قبله، ثم التحقيق فى: ما جاء زيد إلا راكبا أن القصر بين مجئ زيد وحال الركوب لا بين زيد والمجئ، وإنما كثر هذا القسم؛ لأنه لا يتعذر مثلا العلم بأنه ليس فى الدار إلا زيد، وقد يقصد بالقصر الحقيقى المبالغة لعدم الاعتداد بغير الصفة عند قصر الموصوف عليها أو بغير الموصوف عند قصر الصفة عليه، ويكون قصرا حقيقيا على سبيل الادعاء، كقولك: ما حاتم إلا جواد؛ فإن قلت: الخطاب الادعائى ما الذى يتميز به عن المجازى وعن الكذب؟ قلت: إنما يتميز عن المجاز الإفرادى وهو مشتمل على المجاز التركيبى، فقولك: ما زيد إلا قائم دل على سلب جميع الصفات غير القيام على سبيل المجاز الحاصل من مجموع الكلام، وإن كانت مفردات هذا التركيب حقائق. قوله: (والأول) أى إذا كان القصر غير حقيقى فهو قسمان:


(١) أى: قصر الموصوف على الصفة.
(٢) أى بالثانى.

<<  <  ج: ص:  >  >>