وتمييزه يقع باعتبار النسبة التى تضمنتها عندك، ومنه قوله تعالى: أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً الأمران المشتركان هما الفريقان، ولكن لا بأس باعتبار ما يشتركان فيه أيضا من الإقامة المدلول عليها بقوله تعالى: خَيْرٌ مَقاماً والذى يميز أحدهما من الآخر هو الجواب بالتعيين، والأمر الذى يقع التمييز به هو الخيرية، هذا هو الظاهر والمراد بالعموم حينئذ عموم الشمول، ويحتمل أن يقال: معناه: ما يميز أحد المتشاركين بالنسبة إلى أمر يعمهما باعتبار الصلاحية، فقولك: أى الرجلين قام؟ يكون الأمر أن فيه الرجلين والأمر الذى يعمهما باعتبار الصلاحية هو القيام، وهو الذى يقع التمييز فيه، فإن قلت: السكاكى قال: إنه يسأل" بمن" عن الجنس فتقول: من جبريل؟ أملك أم بشر؟ وقد قال هنا فى: أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها (١): معناه الإنسى أم الجنى؟ فيلزم اتحاد الاستفهام" بمن"" وبأى" قلت: أخذه هناك باعتبار الجنسية، وهنا باعتبار دورانه بين ما يصلح فيه، ولا شك أن بين السؤال" بأى"" وبمن" على رأى السكاكى عموما، وخصوصا من وجه فإن أيا يطلب بها تمييز أحد المتشاركين فى شئ أعم من أن تكون تلك الأفراد أجناسا أم غيرها، إلا أنه خاص بتلك الأفراد، ويسأل بما عن الأجناس أعم من أن تكون محصورة فى أشياء معينة أو لا، إلا أنه خاص بالأجناس واعلم أن إطلاق البيانيين هنا يقتضى أن أيا يسأل بها عن المتشاركين فى أى شئ كان، وهو مخالف لكلام المنطقيين، فإنهم جعلوا السؤال عن الجنس والنوع ما هو، والسؤال عن الفصل أى شئ هو، وهو يقتضى أن لا يقال: أى شئ زيد، ويريد السؤال عن الجنس أو النوع.
بقى على المصنف فى قوله:" أحد المتشاركين" فإنه إن كان قاله بالتثنية فيرد عليه الجمع مثل: أى الرجال وهم متشاركون، لا متشاركان وبأن قال: متشاركين بالجمع والواو والنون، فيرد عليه نحو: أى الثياب أو الثوبين فإنه لا يقال فيه: متشاركين، بل متشاركة أو متشاركين، وقد يجاب بأنه إنما قال: متشاركين بالتثنية ومراده بهما المسئول وغيره، سواء كان واحدا أم أكثر، فإذا قلت: أى الرجال قام؟ معناه: زيد أم غيره.