للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

(ش): من أقسام الإنشاء: النهى، وهو طلب كف عن فعل على جهة الاستعلاء، وفيه من الخلاف فى اشتراط العلو أو الاستعلاء ما فى الأمر، ومذهب أبى هاشم وكثير أن المطلوب به نفى الفعل، وأما حكاية الخطيبى الخلاف أن مطلوبه الكف أو الترك فغلط؛ لأن الكف هو الترك والترك فعل وهو غير نفى الفعل، وقد صرح الأصوليون بما قلنا، نعم فى كلام بعض شراح المختصر أن الترك ليس بفعل، وليس كذلك، والقول به ضعيف، نسبه الشيخ أبو الحسن الأشعرى لبعضهم، ورد عليه. (وصيغته) أى: صيغة النهى (لا تفعل) بلا الجازمة احتراز عن لا غير الجازمة، وحقيقته المذكورة أعم من التحريم والكراهة، ولكن صيغة" لا تفعل" حقيقة فى التحريم، وكلام المصنف يقتضى أنها حقيقة فى الطلب الأعم من التحريم والكراهة، كما فعل فى الأمر وليس كذلك، وقد تخرج صيغة" لا تفعل" عن حقيقتها فتستعمل مجازا فى أحد أمور، منها: الكراهة وهو كثير، ومنها: التهديد، كقولك لمن لا يمتثل أمرك: لا تمتثل أمرى، ومنها: الإباحة، وذلك فى النهى بعد الإيجاب، فإنه إباحة الترك، ومنها: بيان العاقبة كقوله تعالى: وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا (١) أى: عاقبة الظلم العذاب لا الغفلة، كذا قيل، وعلل بأن النبى لا يخاطب بمثل ذلك. قلت: النبى صلّى الله عليه وسلّم منهى عن كل ما نهى عنه غيره، إلا ما خص، وأما خطابه بذلك مع القطع بأنه لا يصدر منه فلعله ليعلم أن غيره منهى عنه من باب أولى، ومثله الإمام بقوله: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا (٢)، ومنها: الدعاء نحو:

رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا (٣)، ومنها: الالتماس، كقولك لنظيرك: لا تفعل هذا، والظاهر أن صيغة" لا تفعل" فيهما حقيقة. ومنها: اليأس كقوله تعالى: لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ (٤) ولا يخفى ما فى هذا، ومنها: الإرشاد كقوله تعالى: لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ (٥) قاله فى البرهان، وفيه نظر، بل هو للتحريم، وينبغى أن يمثل له بقوله عز

وجل: وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ (٦)، ويمكن أن يكون منها التسوية مثل: فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا (٧)،


(١) سورة إبراهيم: ٤٢.
(٢) سورة آل عمران: ١٦٩.
(٣) سورة آل عمران: ٨.
(٤) سورة التوبة: ٦٦.
(٥) سورة المائدة: ١٠١.
(٦) سورة البقرة: ٢٨٢.
(٧) سورة الطور: ١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>