للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَبِداراً (١). ولو جاء على ما ذكره المصنف لقال صيانة وحفظا وكذلك: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ (٢). فالقياس أن يقول على هذا: لم أبالغ فى اختصاره؛ إبعادا له على أن الأسلوب الذى استعمله يستعمله الناس كثيرا، وهو أحسن من جهة أن فيه نفى ذلك بكل تقدير، بخلاف اعتبار الفعل مقطوعا عن النفى فإنه يقتضى النفى بقيد وهذا البحث لم يزل يدور فى خلدى، ثم رأيت ابن الحاجب ذكره فى أماليه، فقال فى قوله تعالى: ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (٣): إذا قلت: ما ضربته للتأديب، فإن أردت نفى ضرب معلل فاللام متعلقة بضربت! ولم تنف إلا ضربا مخصوصا وإن أردت نفى الضرب مطلقا؛ فاللام متعلقة بالنفى، والمعنى أن انتفاء الضرب كان من التأديب؛ لأن بعض الناس قد يؤدب بترك الضرب، ولا يستبعد تعلق الجار بالحرف الذى فيه معنى النفى؛ لجواز قولهم: ما أكرمته لتأديبه وما أهنته للإحسان إليه، وإنما يتعلق بما فى الحرف من معنى النفى، وقوله تعالى: ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ لو علق به، لكان المراد نفى جنون من نعمة الله، وهو غير مستقيم؛ لأن الجنوس ليس من نعمة الله، ولأنه إنما أريد نفى الجنون مطلقا، فتحقق أن المعنى انتفى عنك الجنون مطلقا بنعمة الله، وعلى هذا يحكم فى التعلق، فإن صح تعلقه بالفعل، وإلا علق بالحرف.

وعلى هذا قوله تعالى: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ (٤) معناه: فى أن تبتغوا، فهى متعلقة بجناح، المعنى: أن الجناح فى ابتغاء التجارة منتف وتعلقه بليس بعيد؛ لأنه لم يرد نفى الجناح مطلقا، ويجعل ابتغاء التجارة ظرفا للنفى، فبهذا يبعد أن يكون متعلقا، انتهى. وحاصله ما قلناه، وأن الأصل التعلق بالفعل من غير نظر إلى النفى،

وقول ابن الحاجب: (التعلق بليس بعيد) لعله يريد التعلق المعنوى، وإلا فالراجح أن ليس لا يتعلق بها الجار والمجرور لفظا. وقال ابن الحاجب أيضا فى شرح خطبة المفصل فى قول الزمخشرى: لا يبعدون منابذة وزيغا: هو نصب على المفعول لأجله، لما تضمنه معنى: لا يبعدون. كأنه قيل: يقربون منهم لأجل المنابذة، أو انتفى بعدهم لأجل المنابذة لا بيبعدون؛ لأنه يفسد المعنى ثم رأيت للوالد فى بعض التعاليق


(١) سورة النساء: ٦.
(٢) سورة الإسراء: ٣١.
(٣) سورة القلم: ٢.
(٤) سورة البقرة: ١٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>