للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال قوم: قد تكون النكتة فيه غير ما ذكر.

ــ

جملة الشرط، واتقوا، وفتحنا، وكذبوا، وأخذناهم، وكانوا يتقون. هكذا نقل عنه أبو حيان، وابن مالك، ولم أره فى كلام الزمخشرى، وفيه نظر، أما على قواعد هذا العلم، فينبغى أن يعد هذا كله جملة واحدة لارتباط بعضه ببعض. وأما على رأى النحاة فينبغى أن يكون: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا جملة واحدة؛ لأن جملة" واتقوا" معطوف على خبر أن، و" لفتحنا" جملة ثانية. أو يقال: هما جملة واحدة، لارتباط الشرط بالجزاء لفظا، ولكن كذبوا ثانية، أو ثالثة، و" أخذناهم" ثالثة، أو رابعة. و" بما كانوا يكسبون" متعلق بأخذناهم، ولا يعد اعتراضا. نعم جوزوا فى قوله تعالى: مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ (١) أن تكون حالا من قوله تعالى: وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ (٢) فيلزم أن يكون اعترض فيه بسبع جمل مستقلات إن كان" ذواتا أفنان" خبر مبتدأ محذوف، وإلا فيكون ست جمل وهذا مثال حسن لا غبار عليه، ومن أحسن ما يمثل به اعتراض أكثر من جملة على قاعدة هذا العلم قوله تعالى: وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ (٣) فإنها ثلاث جمل معترضة، بين: وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وقوله سبحانه وتعالى: وَقِيلَ بُعْداً وفيه اعتراض فى اعتراض، فإن:" وقضى الأمر" معترض بين:" غيض الماء" وبين" استوت". ولا مانع من وقوع الاعتراض فى الاعتراض عند البيانيين، بل على قواعد النحاة أيضا، قال تعالى: وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (٤) فهذا اعتراض فى اعتراض نحوى، والذى قبله اعتراض فى اعتراض بيانى.

ثم قال المصنف: وقال قوم قد تكون النكتة فيه أى الاعتراض غير ما ذكر، بأن يراد به دفع توهم ما يخالف المقصود، ثم هؤلاء فرقتان: جوز بعضهم وقوعه آخر الكلام، أى فى آخر جملة لا يليها جملة أخرى متصلة بها معنى. أما لأنها ليس بعدها شئ، أو لأن بعدها ما لا يتصل بما قبلها. قال المصنف: وبهذا يشعر كلام الزمخشرى فى مواضع من كشافه، فالاعتراض عند هؤلاء يشمل التذييل.

(قلت): قوله: يشمل التذييل فيه نظر؛ فإنه إنما يشمل من التذييل على هذا ما لا محل له من الإعراب، والتذييل قد يكون له محل، فإن المصنف مثل له فى الإيضاح بقول أبى الطيب:

وما حاجة الأظعان حولك فى الدّجى ... إلى قمر ما واجد لك عادمه


(١) سورة الرحمن: ٥٤.
(٢) سورة الرحمن: ٤٦.
(٣) سورة هود: ٤٤.
(٤) سورة الواقعة: ٧٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>