ثم منه ما يبنى على التشبيه، فتعيّن التعرّض له، فانحصر المقصود فى الثلاثة:
التشبيه، والمجاز، والكناية.
ــ
وإذا أريد به اللازم والملزوم معا، فليس الإرادتان معا هما الكناية، حتى يكون المجاز كجزئها؛ بل الكناية من هاتين الإرادتين هى إحداهما، والأخرى ليست كناية، واللفظ حينئذ كناية وغير كناية باعتبارين. وقيل: إنما كان كالجزء، لأن المجاز فيه انتقال من الملزوم إلى اللازم، وهو واضح، والكناية فيها انتقال من اللازم إلى الملزوم، وهو لا يتضح بنفسه حتى ينضم إليه العلم بمساواة هذا اللازم لملزومه، فصار فى المجاز انتقال من شئ لشئ، وفى الكناية انتقال من شئ لشئ بقيد، ومطلق الانتقال جزء من الانتقال بقيد المساواة وفيه نظر؛ لأن مطلق الانتقال، جزء من الانتقال بقيد، فهو جزء لا كالجزء، ولأن المجاز ليس فيه انتقال مطلق؛ بل انتقال بقيد يقابل القيد الذى فى انتقال الكناية. ثم المصنف يرى أن الانتقال فى كل منهما من الملزوم إلى اللازم، والذى هو أقرب إلى
الصحة أن يقال: فى الكناية إرادة شيئين، أحدهما: مدلول اللفظ، وتلك إرادة استعمال، والثانى:
ملزومه، وتلك إرادة إفادة. والمجاز فيه إرادة شئ واحد، وهو مدلول اللفظ، فكان كالجزء.
وإنما لم يقل: إنه جزء، لأن المجاز لفظ مستعمل فى غير موضوعه، والكناية لفظ مستعمل فى موضوعه، فكيف يكون جزأه، وأحدهما مجاز والآخر حقيقة؟ نعم قد يرد على قوله: إنه كالجزء أن المجاز أيضا، فيه إرادتان: إرادة الإفادة وإرادة الاستعمال. غير أنهما تواردا على محل واحد، بخلاف الكناية، فإن إرادة الاستعمال فيها فى الموضوع، وإرادة الإفادة فى متعلقه، فلا تفاوت بينهما، إلا فى أن محل الإرادتين فى أحدهما واحد، وفى الآخر متعدد، وذلك لا يقضى بأنه كجزئها، إلا أن إرادة الإفادة متى كانت متحدة بإرادة الاستعمال؛ لا ينظر إليها، فإن إرادة الاستعمال فى الأصل إنما تقصد للإفادة.
ص:(ثم منه ما يبنى على التشبيه، فتعين التعرض له فانحصر فى الثلاثة).
(ش): أى من المجاز ما يبنى على التشبيه، وهو الاستعارة؛ لأن مبناها عليه.
وأطلق الاستعارة والمراد: التحقيقية، لا التخييلية، لما سيأتى. وقدم التشبيه على المجاز؛ لأن المجاز مبنى عليه، فهو مقدم على المبنى، ولذلك قدم التشبيه على الجميع.
ونعنى بالمجاز الاستعارة، فإن غيرها ليس مبنيا على التشبيه؛ لكنه لما انبنى أعظم أنواع المجاز على التشبيه؛ صح أن يقال: المجاز مبنى عليه، مثل:" الحج عرفة"(١).
(١) صحيح أخرجه أحمد وأصحاب السنن الأربعة والحاكم والبيهقى فى الكبرى، عن عبد الرحمن بن يعمر، وانظر صحيح الجامع (ح ٣١٧٢)، وراجع الإرواء (ح ١٠٦٤).