للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم" (١) فهو استعارة، أى: هم مثل اليد؛ وما قاله هو الصواب على ما نختاره، إلا أنه لا يحسن منه؛ لأنه يرى أن مثل ذلك تشبيه لا استعارة إلا أن يريد بقوله استعارة، أنه ليس بمجاز مرسل، ونظير إطلاق اليد على القدرة إطلاق اليمين، وقد ادعى ذلك فى قوله تعالى: وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ (٢) وليس كذلك، بل هو استعارة بالتخييل وإليه أشار الزمخشرى بجعله ذلك خارجا عن الحقيقة وعن المجاز، أى المجاز المرسل، والغرض من قوله تعالى: وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ إذا أخذ بجملته، ومجموعه تصوير عظمته - تعالى - والتوقيف على كنه جلاله لا غير، من غير ذهاب بالقبضة ولا باليمين إلى جهة حقيقية أو جهة مجازية، فإن السامع لذلك إذا كان له فهم يقع على الزبدة والخلاصة (٣) التى هى الدلالة على القدرة الباهرة، وأن الأفعال العظيمة التى تتحير فيها الأذهان هينة عليه هوانا لا يوصل السامع إلى الوقوف عليه، إلا بما تؤديه هذه العبارة من التخييل، ولا ترى بابا فى علم البيان أدق ولا ألطف من هذا الباب، ولا أنفع وأعون على تعاطى تأويل المشتبهات، وما أتى من زل إلا من قلة عنايتهم بالبحث والتنقيب، حتى يعلموا أن فى عداد العلوم الدقيقة علما لو قدروه حق قدره لما خفى عنهم أن العلوم كلها مفتقرة إليه، لا يحل عقدة من عقدها المؤرّبة (٤)، ولا يفك قيودها المكرّبة


(١) " حسن" أخرجه أبو داود وابن ماجه، وانظر صحيح الجامع (ح ٦٧١٢).
(٢) سورة الزمر: ٦٧.
(٣) ومن هنا استنبط الطيبى فى التبيان (١/ ٣٣٩ بتحقيقى) نوعا من الكناية فهمه من الكلام السابق لصاحب الكشاف (٣/ ٤٠٨ - ٤٠٩) سماه بالكناية الزّبدية، ولنا أن نقول: إن إثبات ما ذهبتم إليه من دلالة الآية التى اختلف فيها: هل هى من باب الاستعارة أو الكناية أو الحقيقة؟ - لا نمانع فيما ذهبتم إليه هنا من دلالة هذه الآية على القدرة الباهرة، ولكننا نقول: إن إثبات هذه الدلالة وهى القدرة لا ينافى إثبات ما وصف الله تعالى به نفسه من صفة (اليمين) بل إن إثبات هذه الدلالة بإثبات تلك الصفة يكون أكمل وأتم، وليس ثمة مانع من إثبات تلك الصفة إلا إثباتها على جهة المشابهة بينه وبين الحوادث، أما إثباته على جهة التنزيه لا على جهة التمثيل وأن له يمينا ويدا لا كسائر الأيدى فليس ثمة مانع منه؛ بل إن هذا هو الأصل؛ لأن الأصل هو الحمل على الحقيقة.
(٤) المؤرّبة: المحكمة وفى اللسان: الأربة بالفم العقدة التى لا تنحل حتى تحلّ حلّا يقال: أرّب عقدتك ... وتأريبها إحكامها اللسان: أرب.

<<  <  ج: ص:  >  >>