للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله تعالى: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (١) أى: الدّين الحقّ.

ــ

فإن أسدا هنا استعارة تحقيقية؛ لأن معناه وهو الرجل الشجاع أمر محقق حسى، وتارة يكون عقليا كقولك:" أبديت نورا" تريد حجة فإن الحجة عقلية لا حسية، فإنها تدرك بالعقل، وليست الألفاظ هى الحجة، فتكون حسية، بل الألفاظ دالة على الحجة، وكذلك قوله تعالى: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ أى الدين الحق، فإن الصراط حقيقة فى الطريق الجادة. واختلفوا فى قوله تعالى: فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ (٢) فظاهر كلام الزمخشرى أنها عقلية؛ لأنه قال: شبه ما غشى الإنسان من بعض الحوادث باللباس؛ لاشتماله على اللابس. وظاهر كلام السكاكى أنها حسية؛ لأنه جعل اللباس استعارة لما يلبس الإنسان عند جوعه وخوفه من انتقاع اللون ورثاثة الهيئة.

قلت: وليس كلام الزمخشرى واضحا فى أن المشبه عقلى؛ لأنه جعل المشبه ما غشى الإنسان من بعض الحوادث، فقد يريد به ما يحصل من الجوع والخوف من انتقاع اللون كما قال السكاكى.

واعلم أن قولنا: إن المشبه هنا عقلى أو حسى إنما نريد بالحسى فيه الحس الحقيقى لا الخيالى، فإن الخيالى داخل هنا فى حكم الوهمى فيكون من قسم الاستعارة التخييلية، ونريد بالعقلى أعم من الوجدانى، ألا ترى أن الجوع والخوف وجدانيان وقد سموهما عقليين، ونريد بالوهمى أعم من الخيالى، وهذا كله على خلاف الاصطلاح السابق فى أركان التشبيه، فإنا ألحقنا الخيالى بالحسى، والوهمى بالعقلى، ثم اعلم أن هذه الآية سيأتى ذكرها عند الكلام على تحقيق معنى الاستعارة التخييلية، وسيأتى على كون المشبه هنا عقليا إشكال، وعلى جعل هذا استعارة إشكال، وكلاهما يناقض هذا فليطلب من موضعه.

واعلم أن ما جزم به المصنف من كون الاستعارة فى اللباس تحقيقية إما عقلية أو حسية، مخالف لما قاله السكاكى من أنها تخييلية، والحق أنها عقلية، لأن الضرر الحاصل بالجوع والخوف محقق. قال فى الإيضاح: ومن لطيف هذا الضرب ما يقع التشبيه فيه فى الحركات كقول أبى دلامة يصف بغلته

أرى الشّهباء تعجن إن غدونا ... برجليها وتخبز باليدين (٣)


(١) سورة الفاتحة: ٥.
(٢) سورة النحل: ١١٢.
(٣) أبو دلامة هو زيد بن الجوات، شاعر من رجال السفاح، والمنصور، والمهدى. الإيضاح بتحقيقى ص ٢٥٤. ب (إذ عذونا) بدلا من (إن غدونا).

<<  <  ج: ص:  >  >>