يريد وما مثل إبراهيم الممدوح فى الناس حى يقاربه إلا مملكا، وهو هشام أبو أمه، والضمير فى (أمه) للمملك،
وهو هشام وفى (أبوه) للممدوح ففصل بين (أبو أمه) وهو مبتدأ و (أبوه) وهو خبر بحى الأجنبى، وفصل بين المبتدأ والخبر، وهما مثله وحى بقوله (فى الناس إلا مملكا أبو أمه) وفصل بين (حى) وهو موصوف ب (يقاربه)(بأبوه) وهو أجنبى، وقدم المستثنى على المستثنى منه فلذلك كان ضعيفا ذا تعقيد، فالخالى من التعقيد ما لا يكون فيه ما يخالف الأصل من تقديم أو تأخير أو إضمار أو غير ذلك، إلا بقرينة ظاهرة لفظا أو معنى مع نكتة. وهذا البيت أنشده سيبويه فى الكتاب، ونسبه إلى الفرزدق. قال الصغانى: ولم أره فى شعره، وأنا أيضا نظرت كثيرا من شعره فلم أجده، واعترض الخطيبى بأن التعقيد كما فى (ضرب غلامه زيدا) لأنه يوهم عوده على غير زيد، وقد لا يؤدى لذلك، والتعقيد قد يكون لا عن ضعف تأليف فبينهما عموم وخصوص من وجه، وفى البيت أعاريب منها: أن مملكا بدل من حى قدم فانتصب، وقيل: مثله اسم ما، ولا يصح؛ لأنه يلزم نصب الخبر ثم الفرزدق تميمى لا يعمل ما ولو أعملها هنا لأعمل مع انتقاض النفى، إلا أن يكون تبع لغة غيره كما أعملها فى قوله:
فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم ... إذ هم قريش، وإذ ما مثلهم بشر (١)
وأحسن من ذلك كله، أن يجعل (مثله فى الناس) مبتدأ وخبرا، وإلا مملكا فى موضعه، وحى خبر ثان، وهذا البيت فيه اعتراض؛ لأن المماثلة والمقاربة لا يجتمعان، ولا يعترض على ذلك بأنك إذا قلت:(زيد مثل عمرو) فالمشبه دون المشبه به فقد اجتمعت المماثلة والمقاربة لما سيأتى؛ ولأن المقاربة حينئذ أمر اقتضاه التشبيه ليس مقصودا للمتكلم، أما قصد الإخبار بالمثلية وبالمقاربة فلا يجتمعان، والمعنى على أن (حى) مبتدأ، و (مثله) هو الخبر، ويسهل ذلك وصف حى وعدم تمحض إضافة مثله، وأعرب المغربى (يقاربه) صفة ثانية لمملكا فسلم من الفصل بين الصفة والموصوف، إلا أن يقال: إن (حى) لما فصل بين أجزاء الصفة الاسمية فقد فصل بين الصفة والموصوف،
(١) البيت من البسيط، وهو للفرزدق فى ديوانه ١/ ١٨٥، والأشباه والنظائر ٢/ ٢٠٩، والكتاب ١/ ٦٠ والمقتضب ٤/ ١٩١، وخزانة الأدب ٤/ ١٣٣، ١٣٨.