للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومجرّدة: وهى ما قرن بما يلائم المستعار له؛ كقوله [من الكامل]:

غمر الرّداء إذا تبسّم ضاحكا ... غلقت لضحكته رقاب المال

ــ

الثانى: تسمى مجردة وذلك ما قرن بما يلائم المستعار له كقول كثير:

غمر الرّداء إذا تبسّم ضاحكا ... غلقت لضحكته رقاب المال (١)

المستعار هنا هو الرداء استعير للمعروف بجامع الصون والستر، فإن المعروف يستر عرض صاحبه ستر الرداء لما يلقى عليه، والصفة هى قوله:" غمر" لأنها صفة تلائم المعروف لا الرداء، ثم فرع على ذلك قوله:" إذا تبسم ضاحكا" فإنه صفة صاحب الرداء، وليس صفة للرداء.

قال المصنف: وعليه قوله تعالى: فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ (٢) حيث قال: أذاقها، ولم يقل: كساها، فإن المراد بالإذاقة إصابتهم بما استعير له اللباس، كأنه قال: فأصابها الله بلباس الجوع والخوف. قال الزمخشرى: الإذاقة جرت عندهم مجرى الحقيقة لشيوعها فى البلايا وما يمس منها، يقولون: ذاق فلان البؤس، وأذاقه العذاب، شبه ما يدرك من أثر الضر والألم بما يدرك من طعم المر، فإن قيل: الترشيح أبلغ من التجريد. فهلا قيل: كساها الله لباس الجوع. قلنا: لأن الإدراك بالذوق يستلزم الإدراك باللمس من غير عكس، فكان فى الإذاقة إشعار بشدة الإصابة، فإن قيل: ما الحكمة فى أن لم يقل: فأذاقها الله طعم الجوع. قلنا: لأن الطعم وإن لاءم الإذاقة فهو مفوت، لما يفيده لفظ اللباس من بيان أن الجوع والخوف عم أثرهما جميع البدن عموم الملابس اه.

وحاصله أن تجريد الاستعارة ههنا احتاج إلى إيضاح؛ لأن الإذاقة لا تلائم المستعار له، وهو إنزال العذاب إذ الذوق حقيقة فى الطعوم، فلذلك احتاج إلى أن يجعل الذوق استعارة عن إصابة العذاب، ثم أوقع على اللباس، فصار اللباس استعارة تجريدية؛ لأنها وإن كان ما قرنت به لا يلائم المستعار له على سبيل الحقيقة، فإنه يلائمه على سبيل الاستعارة، فعلم بذلك أن قولنا فى الاستعارة التجريدية والترشيحية: الاقتران بما يناسب المستعار أو المستعار منه، إنما نريد ما يلائمه، سواء أكانت ملاءمته


(١) فى الإيضاح بتحقيقى ص: ٢٦٩، ديوان كثير ص ٢٨٨، لسان العرب مادة: غمر، وضحك، وردى وتاج العروس قاعدة غمر، وضحك.
(٢) النحل بعض آية: ١١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>