للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذا قول زهير [من الطويل]:

صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله ... وعرّى أفراس الصّبا ورواحله

أراد أن يبيّن أنه ترك ما كان يرتكبه زمن المحبّة من الجهل، وأعرض عن معاودته فبطلت آلاته، فشبّه الصّبا بجهة من جهات المسير؛ كالحجّ والتجارة، قضى منها الوطر؛ فأهملت آلاتها، فأثبت لها الأفراس والرواحل، فالصّبا من الصّبوة بمعنى الميل إلى الجهل والفتوّة؛ ويحتمل أنه أراد بالأفراس والرواحل: دواعى النفوس، وشهواتها، والقوى الحاصلة لها فى استيفاء اللذات، أو الأسباب التى قلّما تتآخذ فى اتباع الغى، إلا أوان الصّبا؛ فتكون الاستعارة تحقيقية.

ــ

نحو:" أنبت الربيع البقل" استعارة بالكناية لما صحت الإضافة فى قولنا:" نهاره صائم"؛ لبطلان إضافة الشئ إلى نفسه، لأنه يصير المراد بالنهار" الصائم" فهذا لازم له هنا، لأنه جعل الحال استعارة بالكناية، والإنسان استعارة تخييلية، لأنه شبه الحال بإنسان متكلم، وذكر اللسان لأنه لازم الإنسان المتكلم، وقد أضاف الإنسان إلى الحال الذى هو مضاف الإنسان، فقد أضاف الشئ إلى نفسه (قوله: وكذا قول زهير:

صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله ... وعرّى أفراس الصّبا ورواحله) (١)

قد جعله فى المفتاح قسما ثالثا، وهو ما احتمل أن تكون تحقيقية أو تخييلية، فلذلك جوز فيه فى الإيضاح وجهين: أحدهما: وهو الذى بدأ به فى كلامه فى التلخيص أن تكون استعارة تخييلية، أى تكون لفظ" الصبا" بأن يريد أن يبين أنه ترك ما كان يرتكبه من المحبة والجهل والغى، وأعرض عن معاودته فبطلت آلاته، فشبه الصبا بجهة من جهات المسير، كالحج والتجارة، وقد قضى منها الوطر فأهملت آلاتها فأثبت لها الأفراس والرواحل على سبيل الاستعارة بالكناية، فالصبا على هذا من الصبوة بمعنى الميل إلى الجهل، فالاستعارة بالكناية، هو لفظ الصبا وهو المشبه، والمشبه به جهة الأسفار كالحج، والتجارة، بجامع ما بينهما من الجهد والمشقة والاهتمام، ولازم المشبه به وهو السفر" الأفراس" و" الرواحل" فذكرها استعارة تخييلية، وأشار إلى الاحتمال الثانى بقوله: ويحتمل أنه أراد دواعى النفوس وشهواتها والقوى الحاصلة لها


(١) ديوان زهير ص: ٥٥، والصناعتين ص: ٣١١، والإيضاح بتحقيقى ص: ٢٧٨ والمصباح ص: ١٣٢، والطراز ١/ ٢٣٣، ولسان العرب مادة صحا، وتاج العروس مادة صحا، والبيت من الطويل.

<<  <  ج: ص:  >  >>