بأن التأويل فى الاستعارة دون سائر أنواع المجاز، ففيه نظر، فإن الذى ليس فى سائر أنواع المجاز، هو هذا التأويل الخاص، وهو كون المشبه فردا من جنس المشبه به أما مطلق التأويل وهو باعتبار المناسبة بين الموضوع وغيره بالعلاقة، فلا بد منه، ولذلك ذهب جماعة من الأصوليين إلى أن المجاز بجميع أنواعه موضوع، وقوله: إنه ذكر هذا القيد لإخراج الاستعارة يجوز أن يريد لإخراجها وغيرها من المجازات، وذكره الاستعارة لأنها المقصود بالكلام، وأجيب عن السكاكى بأنه ترك ذكر هذا القيد فى حد الحقيقة اكتفاء بتعداد أفرادها، وتقسيمها، إلى
الحقائق اللغوية والشرعية، والعرفية، وأما المجاز فلما لم يقسمه احتاج إلى زيادة تدخل أقسامه، وأما الاعتراض بأنه يرد عليه الغلط، فأجاب الخطيبى عنه بأن الغلط خرج بقوله:" مع قرينة عدم إرادته" فإن الغالط لا ينصب قرينة على عدم إرادة الوضع، وفيه نظر؛ لجواز أن يكون نصب القرينة أيضا غلطا بأن تكون قرينة تصرف عن الحقيقة، ولا تصرف إلى ذلك المجاز، كقولك مشيرا إلى كتاب: يأيها الأسد الرامى بالنبل. نعم قد يجاب بأمرين: أحدهما: أن السكاكى صرح فى أثناء هذا البحث بأنا لا نقول فى عرفنا: استعملت الكلمة فيما تدل عليه، أو فى غيره، حتى يقول: الغرض الأصلى طلب دلالتها على المستعمل فيه فيخر (١) الغلط.
الثانى: أنه خرج بقوله:" كلمة" فإنه ليس من كلمات العرب كما سبق، بقى على المصنف، والسكاكى معا اعتراض هو أقوى من جميع ما سبق، وهو أن قوليهما: إن قول السكاكى:" فى حد الحقيقة من غير تأويل" احتراز عن الاستعارة، فإنها مستعملة فى موضوعها على أصح القولين يقتضى أنا إذا قلنا: إن الاستعارة حقيقة، لا يكون محترزا عنها بهذا القيد، بل تكون داخلة فى حد الحقيقة، وفيه نظر؛ لأنها حينئذ تكون خارجة عن حد الحقيقة فيكون الحد غير جامع، فإن القائل: إنها حقيقة لا يقطع النظر عن التأويل، وأيضا، فإن مفهوم قوله:" إنها مستعملة فى موضوعها" على أحد القولين يقتضى أنها على الآخر مستعملة فى موضوعها، وليس كذلك بل هى على القولين مستعملة فى موضوعها، وإنما استعمالها فى موضوعها على القول بأنها حقيقة أوضح.
(١) خرّ الماء يخرّ، بالكسر خرّا إذا اشتد جريه. انظر اللسان مادة: خرر والمعنى هنا أى، فيعظم الغلط.