للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويلحق به نحو: أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ (١)؛ فإن الرحمة مسبّبة عن اللين،

ــ

فقول: المحبوب الأصفر تورية عن الذهب، وإنما كان تورية لأن المحبوب الأصفر معناه القريب" الإنسان" والبعيد" الذهب" ولا شك فى كون الأصفر هنا مرادا به الذهب، ومن عادة الحريرى استعمال ذلك فيه كقوله:

أكرم به أصفر راقت صفرته

وقوله:

أصفر ذى وجهين كالمنافق

ولمنازع أن ينازع فى أن ذلك تورية، ويمنع تبادر الذهن من المحبوب الأصفر إلى الإنسان، وقد يعترض على المصنف فى قوله:" ألوان"، وليس فى البيت السابق إلا لونان، وليست التورية فى كلام الحريرى إلا فى واحد منها، وجوابه عن الثانى أن المراد أن يذكر ألوان تقع التورية فى بعضها وعنه وعن الأول أنه أراد جنس الألوان لا حقيقة الجمع قوله:" ويلحق به إلخ" يشير إلى أمرين يلحقان بالطباق: أحدهما:

نحو قوله تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ فإن الرحمة مسببة عن اللين الذى هو ضد الشدة فلما ذكر المسبب عن أحد الضدين كان مع ذكر الآخر كالطباق كذا قاله المصنف، وفيه نظر؛ لأن الرحمة من الإنسان ليست مسببة عن اللين، بل هى نفس اللين، لأنها رقة القلب وانعطافه وكذلك قوله تعالى:

لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ (٢) لأن ابتغاء الفضل يستلزم الحركة المضادة للسكون. قال المصنف: ومن فاسد هذا الضرب قول المتنبى:

لمن تطلب الدّنيا إذا لم ترد بها ... سرور محبّ أو إساءة مجرم (٣)

فإن ضد المحب المبغض والمجرم قد لا يكون مبغضا، وله وجه بعيد. يريد المصنف أن بين الإجرام والبغض تلازما بالادعاء، كأنه يشير إلى أن المجرم لا يكون إلا مبغضا له لمنافاة حاله حال المجرم، وكذلك السرور والإساءة لا تقابل بينهما إلا بهذا الاعتبار.

والقسم الثانى الملحق بالطباق، ويسمى إيهام التضاد، كقول دعبل:


(١) سورة الفتح: ٢٩.
(٢) سورة القصص: ٧٣.
(٣) الإيضاح ص ٣٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>