للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثانى: كقوله تعالى: وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى (١) أى:

قالت اليهود: لن يدخل الجنة إلا من كان هودا. وقالت النصارى: لن يدخل الجنة إلا من كان نصارى؛ فلفّ لعدم الالتباس؛ للعلم بتضليل كل فريق صاحبه.

ــ

قوله: (والثانى) يشير إلى ما كان اللف فيه بذكر متعدد على جهة الإجمال، ويسمى المشوش كقوله تعالى: وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى فالضمير فى قالوا لأهل الكتاب من اليهود والنصارى، فتقديره: وقالت اليهود والنصارى: لن يدخل الجنة، إلا من كان هودا أو نصارى، أى قالت اليهود: لن يدخل إلا من كان هودا، والنصارى: لن يدخل إلا من كان نصارى. قال الزمخشرى: فلف بين القولين لعدم الالتباس. قوله: (للعلم) بدل من قوله: لعدم الالتباس فإن العلم حاصل بتضليل كل فريق لصاحبه، ونحوه قوله تعالى: وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ

نَصارى (٢) واعلم أن ما ذكروه فى هذه الآية الكريمة، لا يخلو عن إشكال فإن أو فى قوله تعالى: أَوْ نَصارى إما أن يقدر بعدها قول أو لا، فإن قدر بأن يكون تقديره أو قالوا لن يدخل الجنة إلا من كان نصارى، لم يصح، لأن ذلك حينئذ موضع الواو خ خ، لا أو خ خ، ثم إنا ولو جعلنا أو بمعنى الواو، وقدرنا قولا محذوفا، يخرج عن اللف، فإنه يصير الضمير الأول لليهود فقط، وهذا ليس مرادهم قطعا، ألا ترى لقول الزمخشرى: فلف بين القولين، وإن لم نقدر قولا بعد، أو فكيف ينسب إلى أهل الكتاب على الإطلاق هذا القول، وهو بجملته غير صادر من أحد منهم، بل مخالف لقول كل من الفريقين؟ والذى يظهر لى فى الآية الكريمة أنها ليست من اللف والنشر فى شئ، وإنما المراد نسبة هذا القول بجملته إلى كل من اليهود والنصارى، غير أنه إجمال وتفصيل، بأن يكون جرد من قول الفريقين قول كلى تضمنه مقالتهما، فإن قالت اليهود: لن يدخل الجنة إلا من كان هودا، يتضمن أن غير اليهود لا يدخل الجنة، وكذلك قول النصارى، فنسب إلى كل من الفريقين قوله: لا يدخل الجنة أحد ليس يهوديا ولا نصرانيا، ثم إن قلنا: الاستثناء من النفى ليس إثباتا، فلا حاجة بنا إلى الزيادة على ذلك، وإن قلنا: إنه إثبات، فوجهه أنهم لما كان مقصودهم الأعظم نفى دخول المسلمين الجنة، وكان كل من فريقى النصارى، واليهود أحقر عند الآخر من الانتصاب لمعارضته، كان قول اليهود مثلا لن يدخل الجنة إلا يهودى يتضمن نفيه عن غير اليهودى والنصرانى، كما أشير إليه بالنفى ويتضمن إثبات دخولها لأحد فريقى اليهود والنصارى لأن إثبات دخولها لأحد الفريقين


(١) سورة البقرة: ١١١.
(٢) سورة البقرة: ١٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>