للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله [من الطويل]:

حلفت فلم أترك لنفسك ريبة ... وليس وراء الله للمرء مطلب

لئن كنت قد بلّغت عنّى جناية ... لمبلغك الواشى أغشّ وأكذب

ولكنّنى كنت امرأ لى جانب ... من الأرض فيه مستراد ومذهب

ملوك وإخوان إذا ما مدحتهم ... أحكّم فى أموالهم وأقرّب

كفعلك فى قوم أراك اصطفيتهم ... فلم ترهم فى مدحهم لك أذنبوا

ــ

حلفت فلم أترك لنفسك ريبة ... وليس وراء الله للمرء مطلب

لئن كنت قد بلّغت عنّى خيانة ... لمبلغك الواشى أغشّ وأكذب

ولكننى كنت امرأ لى جانب ... من الأرض فيه مستراد ومذهب

ملوك وإخوان إذا ما مدحتهم ... أحكّم فى أموالهم وأقرّب

كفعلك فى قوم أراك اصطنعتهم ... فلم ترهم فى مدحهم لك أذنبوا (١)

يقول: أنت أحسنت لقوم فمدحوك، وأنا أحسن إلى قوم فمدحتهم، فقوله: كفعلك، هو الإلزام وهذه الحجة تسمى تمثيلا، وهو القياس المذكور فى الأصول، وهو غاية إلزام فى القياس بوصف جامع وهو ظنى، وهو يرجع إلى الاقترانى، أو الاستثنائى إلا أن بعض مقدماته ظنية، وإن كان الاستلزام قطعيا، وفى هذه الأبيات إشكال على النابغة الناظم من وجهين: الأول، أنه ادعى أنه مدح أقواما فأحسنوا إليه، كما أن أقواما أحسن إليهم فمدحوه، وهذا عكس ما فعله هو وإنما يحصل الإلزام أن لو قال: ملوك حكمونى فى أموالهم فمدحتهم، وإلا فهو قد جعل مدحه لهؤلاء الملوك سابقا على إحسانهم، فلا يحصل الإلزام إذ لم يكن له داع إلى الابتداء بمدحهم. الثانى، فى قوله:


(١) الأبيات من الطويل، وهى للنابغة الذبيانى فى ديوانه ص ٧٢ - ٧٣، والمصباح ص ٢٠٧، والبيت الأول فى تهذيب اللغة ١٥/ ٣٠٤، ورواية عجزه:" للمرء مذهب"، والبيت الثالث فى أساس البلاغة ص ١٨٤ (رويد).
ملوك: يقصد بهم غساسنة الشام. يشير به إلى حسن معاملتهم له، وعدم ترفعهم عليه، ويرد شطر البيت الأخير:" ... أراك اصطفيتهم.".

<<  <  ج: ص:  >  >>