للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أفضلهما: أن يستثنى من صفة ذمّ منفية عن الشئ صفة مدح بتقدير دخولها فيها؛ كقوله [من الطويل]:

ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم ... بهنّ فلول من قراع الكتائب (١)

أى: إن كان فلول السيف عيبا، فأثبت شيئا منه على تقدير كونه منه، وهو محال، فهو فى المعنى تعليق بالمحال، فالتأكيد فيه من جهة أنه كدعوى الشئ ببيّنة، وأنّ الأصل فى الاستثناء هو الاتصال؛ فذكر أداته قبل ذكر ما بعدها يوهم إخراج شئ مما قبلها، فإذا وليها صفة مدح، جاء التأكيد.

ــ

أن ينفى عن الممدوح صفة ذم، ويستثنى من صفة الذم المنفية صفة مدح مقدر دخول تلك الصفة الحميدة فى صفة الذم، ولا بد فى تلك الصفة الحميدة أن يكون بينها وبين الصفة الذميمة علاقة مصححة بدخولها فى الصفة المذمومة المنفية، ومنه قول النابغة الذبيانى:

ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم ... بهنّ فلول من قراع الكتائب

ونظيره:

ولا عيب فيهم غير أنّ ضيوفهم ... تعاب بنسيان الأحبّة والوطن (٢)

فتخيل فى البيت السابق أولا أن فلول السيوف عيب، فدخل فى عموم العيب المنفى، ثم أخرجه بالاستثناء، فثبت بالإخراج شئ من العيب على تقدير كون فلول السيوف من العيب، وهو محال فهو فى المعنى تعليق وجدان شئ من العيب فيهم على المحال، والمعلق على المحال محال، فالتأكيد فى المدح فيه من وجهين: الأول، أنه كدعوى الشئ ببينة، كأنه استدل على أنه لا عيب فيهم بأن ثبوت عيب فيهم معلق بكون فلول السيوف عيبا، وهو محال والثانى: أن الأصل فى الاستثناء الاتصال، فذكر أداة الاستثناء، قبل ذكر ما بعدها يوهم إخراج شئ مما قبلها، وأنه إثبات عيب، فإذا جاء المدح بعدها تأكد المدح، لإثبات مدح بعد مدح، وقول المصنف: يوهم إخراج شئ مما قبلها فيه نظر؛ لأنه قرر أن الاستثناء متصل، وإذا كان متصلا فذكره لا يوجب للسامع أن يعتقد ويجزم بإخراج شئ مما قبلها، لا أنه يتوهم


(١) البيت للنابغة الذبيانى، ديوانه ص ٤٤، والإشارات ص ١١١، والتبيان للطيبى، والمصباح ص ٢٣٩.
(٢) البيت من الطويل وهو بلا نسبة فى عقود الجمان ص ١٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>