للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثانى: حمل لفظ وقع فى كلام الغير على خلاف مراده، ممّا يحتمله بذكر متعلّقه؛ كقوله [من الخفيف]:

قلت: ثقّلت إذ أتيت مرارا ... قال: ثقّلت كاهلى بالأيادى

ــ

المذهب الكلامى السابق، لأنه إلزام بالحجة، فإنهم قالوا: الأعز يخرج الأذل، وفريق المؤمنين هو الأعز، فيلزم من ذلك أن المؤمنين يخرجون الكفار بقياس اقترانى. والثانى من القول بالموجب حمل لفظ وقع فى كلام غير الشخص على خلاف مراده، مما يحتمله بذكر متعلقه، وينبغى أن يشترط فى الاحتمال الذى حمل عليه الكلام أن يكون موجودا، كقوله:

قلت ثقّلت إذ أتيت مرارا ... قال: ثقّلت كاهلى بالأيادى

قلت: طوّلت قال لا بل تطوّل ... ت، وأبرمت قال: حبل ودادى (١)

فإنه قال: بموجب قوله: فى" ثقلت" وفى" أبرمت" ولكنه صرفه إلى غير مقصود المتكلم، وحمله على غير مراده، ولا شك أنه - أيضا - نوع من تجاهل العارف، وفيه لطف باعتبار الرد على المتكلم على وجه بلغ الغاية فى التأدب وعدم المواجهة بالرد وليس فى قوله: قلت: طولت، قال:" لا بل تطولت" قول بالموجب، فإنه رد عليه بقوله: لا، وأثبت شيئا آخر، فإن التطويل غير التطول واعلم أن هذا الضرب الثانى من القول بالموجب، هو الأسلوب الحكيم المذكور فى علم المعانى، والذى يظهر أن من القول بالموجب، قوله:

قالوا: اقترح شيئا نجد لك طبخه ... قلت: اطبخوا لى جبّة وقميصا (٢)

لأنه قال بموجب قولهم، فأجاب بتعيين المطبوخ، كما سألوه وحمل اللفظ الواقع منهم على غير مرادهم، فإنهم أرادوا حقيقة الطبخ، فحمله على مطلق الصنع الذى هو أعم من الطبخ والخياطة، فطلب فردا من أفراد ذلك النوع، وهو الخياطة وسماها طبخا مجازا، كما سبق. قال فى الإيضاح: وقريب من هذا قول الآخر:


(١) البيتان فى الإشارات لمحمد بن على الجرجانى ص ٢٨٧، وعزاهما المحقق للحسن بن أحمد المعروف بابن حجاج الشاعر الهازل. وينسبان لمحمد بن إبراهيم الأسدى، وذكر المؤلف أن صواب البيت الثانى:
قال: طولت، قلت: أو ليت طولا ... قال: أبرمت، قلت: حبل ودادى
(٢) البيت لأحمد بن محمد الأنطاكى المعروف بأبى الرقعمق، وهو بلا نسبة فى الإشارات للجرجانى ص ٢٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>