الحمد لله على ما تواتر من آلائه، وله الشكر على ما تظافر من نعمائه، حمدا يليق بجلاله، ويوازى ما تتابع من أفضاله، والصلاة والسلام على من ختم الرسل بإرساله، وكمل أمّته بإكماله محمد المصطفى وعلى جميع أهله وآله.
وبعد فإن الغرض من وضع الكتب إنما هو بيان علم مقصود به؛ فلذلك لا ينبغى أن يخلط به غيره مما يبيّن في علم آخر لئلا يتشعّب الفهم، وينبو عنه السمع، ويطول الكلام فيه فيؤدّى إلى الإملال في سماعه: وقد لا ينهض بكتابته لطوله فيعجز عن تحصيله.
وهذه حال الكتاب المسمى بمعجم البلدان؛ فإن الغرض المقصود منه إنما هو معرفة أسماء الأماكن والبقاع التى على الربع المسكون من الأرض مما ورد به خبر أو جاء في شعر، وبيان جهته من الأرض وموضعه من أصقاعها، فما زاد على هذا القدر فهو فضل لا حاجة إليه فى المقصود منه، فهو وإن كان فيه علم زائد عن المطلوب فهو خارج عن الغرض، وذلك مثل الاشتقاقات التى ذكرها في كثير من الأسماء عربية كانت أو عجميّة، يعلم من أكثرها قطعا أن ذلك في أصل الوضع ليس مشتقا من ذلك ليكون علة في جعل الاسم علما لذلك الموضع، وإنّ الاسم لا يكون مشتقا إلا إذا كان في المسمّى صفة يشتقّ الاسم منها ليدلّ على وجودها في ذلك المسمّى، كما سمّى النبي- صلّى الله عليه وسلم- المدينة طيبة، لما فيها من الطيب والفضل به، ورغب عن يثرب، لما فيه من لفظ التثريب.
وفي البلدان أسماء أعجميّة يعلم قطعا أنها ليست مشتقة اشتقاق العربية، فلم يبق إلّا اشتقاق اللفظ لا بالنسبة إلى ما سمّى به، وذلك علم برأسه تشتمل كتب اللغة وعلم الأبنية عليه، فخلطه بهذا تطويل لا حاجة إليه، وكذلك ما ذكره من طوالع البلدان فأكثره لا يصحّ