للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"وأيضا فإنه قسم السجود إلى طوع وكره، وانفعالها لمشيئة الرب وقدرته لا ينقسم إلى طوع وكره، ولا يوصف ذلك بطوع منها ولا كره؛ فإن دليل فعل الرب فيها ليس هو فعل منها ألبتة.

والقرآن يدل على أن السجود والتسبيح أفعال لهذه المخلوقات، وكون الرب خالقا لها إنما هو كونها مخلوقة للرب ليس فيه نسبة أمر إليها، يبين ذلك أنه خص الظل بالسجود بالغدو والآصال، والظل متى كان وحيث كان مخلوق مربوب" (١).

ثم بيّن - رحمه الله - أن كونها ساجدة مسبحة" آية دالة وشاهدة للخالق تعالى بصفاته لكونها مفعولة له، وهذا معنى ثابت في المخلوقات كلها لازم لها، وهي آيات للرب بهذا الاعتبار، وهي شواهد ودلائل وآيات بهذا الاعتبار؛ لكن ذاك معنى آخر، كما يفرق بين كون الإنسان مخلوقا وبين كونه عابدا لله، فهذا غير هذا، هذا يتعلق بربوبية الرب له، وهذا يتعلق بتألهه وعبادته للرب" (٢).

وقال أيضاً في الرد على من قال يلزم لسجودها أن يكون لها سبعة أعضاء، ووضع الجبهة على الأرض: " ولا يجب أن يكون سجود كل شيء مثل سجود الإنسان على سبعة أعضاء ووضع جبهة في رأس مدور على التراب؛ فإن هذا سجود مخصوص من الإنسان ومن الأمم من يركع ولا يسجد، وذلك سجودها كما قال تعالى: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ} (٣)، وإنما قيل ادخلوه ركعا. ومنهم من يسجد على جنب كاليهود، فالسجود اسم جنس ولكن لما شاع سجود الآدميين المسلمين صار كثير من


(١) المصدر السابق: ١/ ٤٤.
(٢) المصدر السابق: ١/ ٤٤.
(٣) البقرة: ٥٨.

<<  <   >  >>