فأنس كل واحد منهما بصاحبه، وأظهر بره وأكرمه. ثم ان انوشروان تقدم الى جماعة من ثقاته، وخاصته أن يكبسوا طرفا من عسكر الخزري ويحرقوا فيه فلما أصبح شكى ذلك الى أنو شروان فأنكر أن يكون علم بشيء منه ولما مضت له ليال، أمر أنو شروان أصحابه بمعاودة ما كان منهم، فلما فعلوا ضج الخزري من فعلهم، حتى رفق أنو شروان به واعتذر اليه فقبل وسكن. ثم ان أنو شروان أمر بطرح النار في ناحية من عسكره فوقعت في الاكواخ التي اتخذت من الحشيش وعيدان الشجر فلما أصبح أنو شروان ضج اليه الخزري، فقال: كاد أصحابك أن يذهبوا بعسكري ويهلكوه ولقد كافأتني بالظنة فحلف له انه لم يعلم بما جرى، فقال له أنو شروان: يا أخي ان جندك وجندي قد كرهوا صلحنا لانقطاع ما انقطع عنهم من المسير في الغارات التي كانت تكون بيننا ولست آمن أن يحدثوا أحداثا تفسد قلوبنا بعد تصافينا وتخالصنا حتى نراجع العداوة بعد الصهر والمودة، والصواب ان تأذن لي في بناء حائط يكون بيني وبينك نجعل له بابا فلا يدخل الينا من عندك الا من أردنا، فأجابه الى ذلك وانصرف الخزري راجعا وأقام أنو شروان لبناء الحائط فبناه وجعله من قبل البحر بالصخر والرصاص، وجعل عرضه ثلثمائة ذراع الى ان ألحقه بالحبال، وأمر بحمل الحجارة في السفن، وان ترمى في البحر حتى اذا ظهرت على وجه الماء بنى عليها وساق الحائط في البحر ثلاثة أميال، فلما فرغ من بنائه علق على المدخل أبواب حديد، ووكل بها مائة فارس يحرسون الموضع، بعد ان كان محتاجا الى خمسين ألفا من الجند. وجعل عليه دبابة فقيل للخزري بعد ذلك انه مكر بك وزوجك غير ابنته، وتحصن منك فلم تقدر «٥٢» له على حيلة فصارت غارة الخزر منذ ذلك الوقت على أطراف أرمينية بعد ان كانوا قد أخربوها.