وصواب النظر. فان الملك اذا كان عادلا شمل الاقساط جميع أفعاله، وعم الصواب كل احواله واستقامت الخلال المحمودة التي تكون معه حتى لا يجري شيء منها على سرف ولا تكثير، ولا نقص ولا تقصير والشح، من الخلال المذمومة، التي لعلها تعرض «٦» له حتى يخلو منها، أو من أكثرها بمعاتبته نفسه عليها، ونهيه لها عنها وقد يستغنى الملك اذا كان عادلا من ان يكون رحيما لان الرحمة انما هي تركيب في خلق النفس من ود وجزع، فاذا عدل الملك حتى لا يضع عقوبته الا في حقها، كانت الرحمة ناقصة منها، وعاد ذلك بالضرر في التدبير. ومما يحتاج الملك أن يكون متطلبا له، وناظرا فيه، سير من تقدمه من الملوك ليقبل «٧» أفعال من حمدت أفعاله، وكانت متصفة بالسداد أحواله ويتجنب سيرة من ذمت سيرته، ولم يكن ممن ترتضى طريقته، ويحتاج الملك أن يخلوا من خلال في كونها معه ضرر عليه في ذات نفسه، وفي تدبير رعيته، ومصالح مملكته منها اللجاج والمحك فانهما لا يكونان الا في الطباع الرديئة، ومن الخلائق الدنيئة، وهما مع هذا يعوقان مجارى الرأى عن «٨» الانبعاث.
ومنها البذخ، فانه تابع أبدا لصغر الهمة، ومنها التهاون بالامور فان اليسير في ذلك ينتج كثيرا من الخطأ وعظيما من البلاء.
وقد ذكر مروان بن محمد: وكان من أكابر ملوك بني أمية وشجعانهم، وذوي الرأي والسياسة منهم؛ لما دفع الى ملك قد وهت قواه وانتفضت عداه باهمال المضيعين وتقصير المترفين، فأخذ يروم تلافيه وقد عسر، وتقصد لرتقه وقد زاد الخرق واتسع وباشر من حرب المسودة «٩» ما اشتد عليه حتى انهزم فلجأ في انهزامه