الى موضع حصل فيه، ومعه خادم رومي يقال له: بسيل، وكان هذا الغلام فيما يقال من أشراف الروم فوقع عليه سبى صار به الى مملكته مروان فقال مروان: في تلك الحال (يالهفاه على كف ما ظفرت ودولة ما نصرت ونعمة ما شكرت) فأجابه بسيل بأن قال: من أغفل الصغير حتى يكبر واليسير حتى يكثر والخفي حتى يظهر لقي مثل هذه الحال التي نحن عليها واغلظ.
وقال بعض حكماء الفرس: ما أورث راحة ما أعقب نصبا ومعونة «١٠» .
وقال آخر منهم: ما أهون الكد المؤدي الى الدعة، وأصعب الدعة المعقبة تعبا ومشقة. وقال بعض البلغاء في ذلك: ينبغي أن يستعمل الملك الحزم محتملا مؤونته بصلاح بغيته وبجانب العجز تاركا عاجل راحته لمكروه عاقبته. فان للحزم مؤونة تودى أهلها الى الخفض والدعة وللعجز يسيرا من الراحة، يفضي بمستعمله الى الذل والضعة والكبر، فينبغي للملوك الرجح أن يعدلوا عنه، وينتفوا منه فانه يكفى اذا كانت معه الخلائق التي قدمناها ان يعظم بها خطره ويجزيه ان يكرم من أجلها، فان الكبر يكسب صغرا ومقتا، والتواضع يجلب لمستعمله كبرا وودا. وقد قالت حكماء الفرس: التواضع مع السخف والبخل أحمد من الوقار والسخاء مع الكبر، فأجمل بحسنة عفت من صاحبها على سيئتين، وأقبح بسيئة محت من مستعملها جمال حسنتين.
وقالوا: ان أصل التكبر أعجاب المرء بنفسه، ووضعه أياها الموضع الذي يتزيد فيه على حقه، وذكروا ان ذلك غاية التكدر، والبلوغ فيه نهاية حال المتزيد، لان من ترسم بالكذب وندم عليه انما يكذب بأن يقول ما لا وجود له، ويزيد على منزلة الكاذب بالقول من يكذب في فعله، وهو المرائي لانه يظهر بالفعل ما لا يعتقه، ومنزلته عندهم في الكذب أغلظ من منزلة الذي يكذب فجد قوله، لان هذا