جائزا مع هذا يسئل عما لا يخبره كل الخبر، ولم يقع له تصحيحه بغاية الصحة، ولا متمكن منه، فكم من نافذ في شيء يضعف من غيره وما هو بشيء لم يقع له التمهر بسواه حتى ان......... «٢١» لم يسلم علمه بغيره وتكلف منه مالا يتحقق معرفته لان في طبائع الناس المشاحة في فطرهم والمساماة والمغالبة، حتى اذا سلم المستشار من كل ما عددته، وكان مستقيم الرأي غير خطلة، وسديد التدبير غير مختلة «٢٢» ، لم يأمن أن تعرض له آفة اخرى في أن يكون له أرب فيما ليس الصواب للملك قبوله منه، أما من التعصب لمن يودي عن صدق النصيحة في أمره، أو المعاداة لمن يحض على مكروهه ويبعث على مساءه وضره، واذا خلا من جميع ما عددته، جاز بعد هذا أن يكون له خليفة في نفسه، لا تليق بمن يكون على مثلها الرجوع في الراي الذي يشاور فيه، الى ما عنده مثل أن يكون قصير الهمة، ثم ليستشار في الامور السامية، أو يكون جبانا فيشار في الاقدام على الاحوال الخطيرة الهائلة، أو يكون بخيلا ضنينا ويشاور في صلات من يستحق التوسعة في صلته «٢٣» ، وما جانس هذا وشاكله من الخلائق التي تكون في الناس ولا يمكن ضبطها، ويعجز العالم عن مقاومتها ومقاومة ما فيه منها. فكم من عالم عاقل يعلم ان فيه من الخلائق المذمومة ما هو مبلحا به ويجتهد في الزوال عنه فلا تبلغه قدرته ويعجز عنه محالته فاذا كانت هذه الافات لاحقة للمشاورين فكيف بتصحيح مشوراتهم وكيف يستخلص حقيقة الصواب من جهتهم الا بأن يكون للملك في النهاية من الفهم والدراية، حتى يعلم صحة فهم من يشاوره فيما يشاوره فيه، وتصرف خلائقه في الوجوه الخاصة به وسلامته من أن يدخله في ذلك هوى، أو يكون له في شيء انحراف أو عداوة ...