جوادا أن يجود على من تبلغ قدرة الجود على مثله. وكذلك الرذائل يجزيه اذا بلى بواحدة منها الا يعدوه عيب مما بلى به، ولا يتخطاه أي غيره.
وليس الملك كذلك لانه لا يكفيه من العلم أن يكون معه منه ما يقوم بأمره حتى يقوم بأمر غيره ممن اليه تدبير شأنه. وكذلك فلا يجزيه في الامانة أن يؤديها هو وحده، حتى يؤديها أصحابه والمؤتمنون من قبله، ويكونوا من الامانة على مثل ما هو عليه. وكذلك في الشجاعة ولا يجزيه أن يقاوم قرنه حتى يدبر جيوشه تدبيرا يقوم معه كل واحد منهم أيضا بقرنه، ويحمل كل واحد منهم نفسه. وكذلك في العدل يحتاج أن يفيضه هو ويفيض مثله أصحابه وكفاته. وكذلك جوده] «١٩» يحتاج أن يكون أهم «٢٠» من جود غيره وأشد احتياطا في ان يوضع مواضعه، وعند مستحقه ولا يخلوا مستوجب له مما شكل نظيره منه، وكذلك أيضا فليست عيوبه وما يبدو منه من قبيح أموره يخصه دون أن يفسد أحوالا كثيرة، من الامور التي يتصل به، مما لا يشاكله فساد السوق ولا يقاربه. فلذلك لا يجب أن يكون موارد رأيه ومصادرها خارجة الا بعد أحكامها وتهذيبا من شوائب الزيغ والفساد، ودواعي الهوى المبعد عن الصواب، وهذه الحال فما أبعد تمامها للانسان وحده، دون المشاورة والرجوع الى ذوى الرأي والحنكة، ومن قد هذبت العلوم الصحيحة رأيه وثقفت المعارف الحقيقية لبه ومن قد جرب التجربة المستوفاة لمثل ما يرجع فيه الى رأيه ومعرفته، وفي رجوع الملك الى غيره من المشورات نفع، ودفع للافات وعوارض الخطأ والنكبات، لان المستشار ينبغي أن يكون أولا: صحيح العلم في ذاته، مهذب الرأي في نفسه. فما أكثر من العلماء من تكون آراؤهم معوجة، ومقاصدهم مقاصد غير مستقيمة، فاذا سلم المستشار من هذه الخلة كان