وقد أوصى مهبوذ أحد حكماء الفرس بعض ملوكهم فقال: اتخذ من نصحاء علمائك مرآة لطباعك ليجود بها رأيك فأنك الى صلاح طباعك أحوج منك الى تحسين صورة وجهك، والعالم الناصع في تعريف المخبر أصدق من الجديد المجلو في تبين النظر. وقد قال شاعر من شعراء العرب:
وما كل ذي لّب بمؤتيك نصحه ... وما كل مؤت نصحه بلبيب «٢٤»
ولكن اذا ما استجمعا عند واحد ... فحقّ له من طاعة بنصيب
فاذا عرف الملك سلامة من يشاوره من هذه الشوائب التي وصفنا، وشاوره فيما يحتاج اليه، طالبه بالدليل على أن يكون الذي يرتئيه وينص عليه هو الصواب دون غيره، فاذا أتى بالحجة في انه أصوب الوجوه التي يوجها الرأي ميز «٢٥» الملك ذلك بعقله، ووزنه بمعيار نظره واعتباره. فأن الملك عند فعله ما قدمته اذا أتمن انسانا كان امينا، واذا استنجد رجلا كان نجدا واذا استكتب كاتبا واتخذ صنيعا من سائر صنوف أصحاب الصناعات والمهن، كان في معناه بليغا سديدا، وتحصل له جمهور ما يعلمه على حقه وصدقه وصوابه وتظهر أفعاله متعجبا «٢٦» منها مفضلا بها بينا فيها «٢٧»