الجزالة وصواب الراي، ما يكسبه شدة الطاعة من الخاصة، ومن العدل والرأفة وما يصيره الى الود الخالص من العامة، ويتم له مع ذلك الملك الصحيح الذي هو الملك بالحقيقة لا الذي يجري على سبيل القهر والغلبة، فان مثل هذا ليس ملكا على الصحة ولا رئاسة يوثق بها الثقة التامة، اذا كانت الرئاسة انما هي رئاسة عفو الطاعة لا رئاسة الاستكراه والقهر، والمملكة مملكة الرضا والمحبة، لا مملكة التسلط والقهر.
ومما ينبغي أن تذكره من أمر خلائق الاسكندر ذي القرنين ليتقبل الملوك ذلك ويذهبوا بنفوسهم نحوه، ولا ييأسوا من بلوغ مثل حاله، فأن الناس واحد في المعنى، وأفضلهم عند الله التقي، الذي يجده- عز وجل- عندما يحب ويرضى، فأنه يبلغ الغاية القصوى، ويسمو الى الدرجة العليا، ولو كان من الملوك ما بلغه موضعا من أحاديثه ما تسمعه الملوك، ولا ينكلوا عن تعاطي مثل أمره والله ولي التوفيق [بقدرته]«٢٨» . فما كان من أمر الاسكندر بعد ما اقتصصناه من ذكر أوليته وابتداء، نشوئه وتعليمه، انه كان مع حاله التي وصفناها عنه موذنا بالنجابة منذ أولية كونه، وابتداء صباه ونشوئه، ومن ذلك انه كان لما أشخصه أبوه الى مدينة الحكمة، كان وجماعة من أولاد الملوك بحضرة المعلم المتقدم ذكره فأراد معلمهم امتحانهم والمقايسة بينهم، فقال: لفتى «٢٩» منهم يقال له مينوان، افضى اليك الملك ما أنت صانع بي، فقال: أفوض اليك جميع أمري. وقال: لاخر منهم يسمى فاليغا مثل ذلك، فقال أتخذك وزيرا ومشيرا، وقال: لاخر يعرف بارقيطن، فأنت ما تصنع بي، قال: أشركك في ملكي. فقال للاسكندر مثل ما قاله لكل واحد منهم، فقال: يا أيها الحكيم لا ترتهنني اليوم لغد، ولا تسألني الان عما أفعله بعد، وانظر