فأني ان أصير الى الحال التي أومأت اليها، أفعل بك ما ينبغي ان يفعل بمثلك في تلك الحال. فقال معلمه: حقا أنك لتخيل بملك كبير، وعلى ذلك تدل قريحتك والفراسة فيك.
ثم لنرجع الى حديثه الاول الذي كنا بدأنا به، فلما رجع الاسكندر بعد موت أبيه ورجوع الملك اليه الى دار مملكتهم وكانت في ذلك الوقت بمقدونية وهي بالقرب من المغرب، ولم يكن بالقسطنطينية التي هي في هذا الوقت دار ملكهم. وبدأ في أول أمره باصلاح مملكته حتى أقامها على ما وجب اقامتها عليه من السنن العادلة والسير الفاضلة، ثم عزم بعد ذلك على تدويخ الارض ومجاهدة الملوك الضالين، وكانت للفرس على اليونانيين الى ذلك الوقت أتاوة ولم تزل يحملها ملوكهم في كل سنة، فأخذ في منع دارا بن دارا ملك فارس كان على عهده منها وأقبل دارا يكاتبه بالوعيد الشديد ويتهدد معلمه التهدد الغليظ، وينسب المشورة عليه بترك حمل الاتاوة اليه، والاسكندر يجيبه عن كتبه بأنه لو علم حقا يوجب حمل الاتاوة لحملها ولم يمتنع منها، ويدعوه الى التوحيد وترك الكفر، ويحضه على اتباع أمر الله والتسليم له واعتماد طاعته والتناهي عن مخالفته، ويحذره عقوبته وسخطه، الى ان أحس دارا ذلك فدلف اليه وقصد حربه ومناجزته وصار الى ديار ربيعة، ما بين المدينة المسماة باسمه وأقبل الاسكندر نحوه مظهرا مجاهدته مخاطبا له بأنه، ما يريد ماله ولا شيئا مما يملكه، وانه انما يريد منه أن يقر بالتوحيد، ويؤمن به ويدع الكفر وينزع عنه لينصرف عن حربه، ويخلى بينه وبين مملكته. وأقبل دارا في جواب هذه المكاتبات يتعالى تعالي الجبارين ويتسطى تسطي الملوك المتعظمين، الى ان كان الظفر للاسكندر به، فاستباح عسكره، وتزوج روشك ابنته، وأقبل الى بلد بابل حتى دخله ووطئه، واجتمعت ملوك الفرس من الافاق اليه فأحسن عشرتهم، واستعمل العدل في أمورهم ولم يهجم بسوء في شيء