من أحوالهم. وكان عند انجذابه لملاقاة دارا قد استخلف معلمه أرسطاطاليس على ما خلفه، وكان يطالعه بأحواله ويستمد الرأي من جهته، فكتب اليه عند حلوله بأرض فارس، واجتماع من اجتمع من ملوكهم قبله كتابا يقول [فيه]«٣٠» :
أما بعد فان الاقدار وسابق الاتفاقات، وأن كانت أصارت بنا الى ما نحن عليه، من علو الشأن فليس ذلك بمانع لنا من الرجوع الى رأيك والاستضاءة بنور حكمتك، وأني لما حللت ببلاد فارس، اجتمع الي ملوكهم من الاقطار فرأيت أجساما عظيمة ونفوسا عالية، وهمما «٣١» سامية، وشجاعة كاملة، وأحوالا ضخمة واسعة، ووجدت مقامي وسط بلادهم وقد استوليت على مملكتهم، وظفرت بملكهم غرارا اذا كنت لا أمن أقدامهم، وفكرت في قتلهم فاحجمت عنه لاني لم أعرف وجهه، وقد صرت في أمورهم على حال محيرة، فأشر بما تراه صوابا في تدبيرهم.
فأجابه أرساطاليس: وهو معلمه الذي أنشأه، وبصره جوابا ينبغي أن يمتثل في جوابات الملوك، ويتقبل في مخاطباتهم. فأن الملك لو جاز أن يتعالى عليه أحد، لوجب لذلك الحكيم الذي كان سبب تثقيفه، ولكن من شأن الملك أن يتواضع له كل ذي عمل ويتطأطأ دونه كل ذي فضل، فان في جواب هذا الحكيم لهذا الملك العظيم تبصرا في مخاطبة الملوك، واحدة: مع ما فيه من الارشاد الى تعلم صواب الرأي، ثانية، وهو هذا:
وصل اليّ كتاب الملك وفهمته، فأما قوله، أن الاقدار والاتفاقات ساقت اليه الاحوال التي هو بها فليت الاقدار اذا ساقت الى أحد حالا عظيما كان مستحقا لها كأستحقاق الملك المنزلة التي وصل اليها، فأن، الفراسة فيه قد كانت توجيها، وأقوال الكهنة تؤذن بها وتدل عليها.