المشقة الشديدة والكلفة «٣٣» المتعبة، حتى صارت المملكة واحدة نحن نضرب بسيف أرسطاطاليس مذ هذه المدة البعيدة.
وكتب أرسطاطاليس الى الاسكندر رسائل كثيرة في حال محاربته دارا الى ان ظفر به. وبعد ذلك في حال مسيره الى الهند ومحاربته (فور) ملكهم الى أن ظفر أيضا به. ثم في نفوذه الى الصين، وأقصى المشرق، بين له وجوه الرأي والتدبير ويحضه على الحكمة والعلوم النظرية، ويبصره الاخلاق الشريفة والافعال الجليلة، منها رسالته المعروفة برسالة (التدبير) فأنه يقول: الحكمة رأس التدبير، وهي صلاح النفس ومرآت العقل، وبها تزول المكروهات، وتعز المحبوبات، ما أحسن رأي من حقق في طلبها، وأبهى نتائج الحكمة في نفوس طالبيها، وهي أس الممادح، وأصل المفاخر، وكفى بالحكمة فضلا ان في حجة من رام أبطالها تثبيتها ومن قصد لدفعها بحقيقها وكفاها بأنها معشوقة في الطبيعة ومتشوق اليها في أول الصيغة وان الدليل على ذلك ما قلناه في كتاب يسمع «٣٤» الكيان من أن الصبيان يشتاقون الى سماع أحاديث الخرافات، وان جميع الحواس سريعة الى استنباط محسوساتها، وكفاها فضلا ان الجهل ضدها، وهو الشيء الذي ينتفي منه الناس جميعا ويتدافعونه طرا، وبها ينال الدنيا حق المنالة، وهي العائدة الى الفوز في العاقبة وبها تنجوا النفس من العقوبة، وخاطبه فيها مخاطبات اخرى نحن نضع كل باب منها في موضعه.
ومما يصلح أن يكون في هذا الموضع ان قال له: اعلم يا اسكندر ان الرئاسة مرغوب فيها ليحرز الذكر بها، والذكر محمود لمن مال اليه من طريقه، ومذموم لمن يقصده بالافراط فيه، فطلب الذكر من وجهه ينتج الصدق، والصدق ينتج الورع، وجميع الممادح، والورع ينتج