للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبادته وشكره هي (١) النعمة الظاهرة، فلو انتزعت منه لكفر بالله عز وجل، وأحبّ الله أن يبتلي عبده باستلاب النعمة الظاهرة ليجلّيه في حلية البؤس والفقر، كما جلاّه في حلية الثروة والغنى، ليظهر فساد اعتقاد عدوّه، فسلّطه الله على أمواله وأهله حتى أهلك الحرث والنسل شيئا بعد شيء، ثمّ سلطه على جسده، فمسّه ونفخ فيه، فمن شؤمه انفتخ جسد أيوب عليه السّلام، وخرج منه الجدريّ، ثمّ تدوّدت قروحه بعد ذلك من داخل وخارج، ولم يسلم منه إلا قلبه ولسانه ودماغه، ولبث في ذلك البلاء (٢) سبع سنين، وكلّ ذلك من جهة إبليس بإذن الله وتخليته، وأيوب عليه السّلام في (٣) ذلك صابر شاكر بإذن الله ولطفه وحسن توفيقه، وكان لم يبق معه أحد من أصحابه وخوله إلا امرأته، كانت تطوف على أبواب الناس وتسأل، فبعضهم ينهرها، وبعضهم يتصدق عليها، فتجيء وتنفق عليه، فتراءى لها إبليس لعنه الله في صورة آدميّ شابّ صبيح مليح، وقال لها: أيّتها المرأة، أنت امرأة من أولاد الأنبياء، فما بالك تحت رجل من الأشقياء، قد قلاه الله وابتلاه، (٢٢٣ ظ) قالت: بل هو نبيّ الله وصفيّه، لست بمؤثرة عليه أحدا أبدا، ثمّ جاءت فذكرت ذلك لأيوب، فقال أيوب: إنّما ذلك الشيطان فلا تكلّميه، ولا تجيبيه بشيء، ثمّ تراءى لها بعد ذلك، وكلّمها بمثل كلامه (٤) الأوّل، وأجابته بمثل جوابها الأوّل، فأخبرت بذلك أيوب، فقال: إنّما ذلك الشيطان فلا تكلّميه، ولا تجيبيه بشيء، ثمّ تراءى لها بعد ذلك وكلّمها، وأجابته كذلك، وأخبرت بذلك أيوب، فقال: أما قلت لك مرّة بعد مرّة: إنّه الشيطان لا تكلّميه، ولا تجيبيه، وحلف (٥) بالله تعالى أن يضربها (٦) مئة جلدة إن شفاه الله تعالى. وعن ابن عباس قال: قال أيوب عليه السّلام: كان الركض (٧) برجلي أشدّ عليّ من البلاء الذي كنت فيه، فأتاه جبريل عليه السّلام وقال: {اُرْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ} [ص:٤٢]، ففعل، ففجرّت له عين، فاغتسل منها، فصحّ جسده، ثمّ قيل له: اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب، ففجرت له عين (٨)، فشرب فالتأم ما في جوفه، وبرئ قدمه.


(١) ك: وهي.
(٢) ك: البلاغ.
(٣) ساقطة من أ.
(٤) الأصل وأ: كلام.
(٥) ع: تحلف.
(٦) بياض في أ.
(٧) ك: الراكض.
(٨) (فاغتسل منها. . . ففجرت له عين) ساقطة من ع وأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>